صفحة رقم ٤٥٢
عليه الحق يحل بالكسر أي وجب، والدين : صار حالاً بحضور أجله ) عذاب مقيم ( لإقامته على حالته وجموده على ضلالته، ومن يؤتيه الله انتصاراً يعليه وينقله إلى نعيم عظيم، لانتقاله بارتقائه في مدارج الكمال، بأوامر ذي الجلال والجمال، ولقد علموا ذلك في قصة المستهزئين ثم في وقعة بدر فإن من اهلكه الله منهم جعل أهلاكه أول عذابه ونقله به غلى عذاب البرزخ ثم عذاب النار، فلا انفكاك له من العذاب، ولا رجاء لحسن المآب.
ولما تجلت عرائس هذه المعاني آخذة بالألباب، ولمعت سيوف تلك المباني من المثاني قاطعة الرقاب، وختمها بما ختم من صادع الإرهاب، أنتجت ولا بد قوله معللاً لإيتان ما توعدهم به مؤكداً لما لهم من الإنكار لمضمون هذا الإخبار :( إنا أنزلنا ) أي بما لنا من باهر العظمة ونافذ الكلمة.
ولما كان توسط بعد أن أثبت وساطته أول السورة فقال مقروناً بالأمر بالعبادة إشارة إلى بداية الحال، فلما حصل التمكن فصار الكتاب خلقاً له ( ﷺ ) وصار ظهوره فيه هادياً لغيره، نبه على ذلك بأداة الاستعلاء فقال :( عليك ) أي خاصة لا على غيرك من أهل هذا الزمان، لأنك عندنا الخالص لنا دون أهل القريتين ودون أهل الأرض كلهم، لم يكن لشيء دوننا فيك حظ ) الكتاب ( الجامع لكل خير لكونه في غاية الكمال بما دل عليه ( ال ) ) الناس ( عامة لأن رسالتك عامة ) بالحق ( مصاحباً له، لا يقدر الخلق على أن يزيحوا معنى من معانيه عن قصده، ولا لفظاً من ألفاظه عن سبيله وحده، بل هو معجز في معانيه - حاضرة كانت أو غائبه - ونظومه، وألفاظه وأسماء وآياته وجميع رسومه، فلا بد من إيتان ما فيه من وعد ووعيد.
ولما تسبب عن علم ذلك وجوب المبادرة إلى الإذعان له لفوز الدارين، حسن جداً قوله تعالى تسلية له ( ﷺ ) لعظيم ما له من الشفقة عليهم وتهديداً لهم :( فمن اهتدى ) أي طاوع الهادي ) فلنفسه ) أي فاهتداؤه خاص نفعه بها ليس له فيه إلا أجر التسبب ) ومن ضل ) أي وقع منه ضلال بمخالفته لداعي الفطرة ثم داعي الرسالة عن علم معتمد، أو إهمال للنظر وتهاون.
ولما كان ربما وقع في وهم أنه يحلق الداعي بعد البيان ومن إثم الضال، وكان السياق لتهديد الضالين.
زاد في التأكيد فقال :( فإنما يضل عليها ) أي ليس عليك بشيء من ضلاله، فلا تذهب نفسك عليهم حسرات.
ولما هدى السياق إلى أن التقدير : فما أنت عليهم بجبار لتقهرهم على الهدئ، عطف عليه قوله :( وما أنت ) أي في هذا الحال، ولمزيد العناية بنفي القهر أداة