صفحة رقم ٤٥٦
فَإِذَا مَسَّ الإِنسَانَ ضُرٌّ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِّنَّا قَالَ إِنَّمَآ أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ ) ٧٣
( ) ٧١
ولما دل على أن شفعاءهم ليست بأهل للشفاعة، وعلى أن الأمر كله مقصور عليه، وختم بأنه لا بد من الرجوع إليه المقتضي لأن تصرف الهمم كلها نحوه، وتوجه العزائم جميعها تلقاءه، ولأنه لا يخشى سواه ولا يرجى غيره، ذكر حالاً من أحوالهم فقال :( وإذا ) أي الحال ما ذكرناه وإذا ) ذكر ( وأعاد الاسم الأعظم ولم يضمره تعظيماً لأمره زيادة في تقبيح حالهم فقال :( الله ) أي الذي لا عظيم غيره ولا أمر لسواه ) وحده ) أي دون شفعائهم التي قد وضح أنه لا شفاعة لهم :( اشمأزّت ) أي نفرت كراهية وذعراً واستكباراً مع تعمر الوجه وتقبضه قلوبهم - هكذا كان الأصل، ولكنه قال :( قلوب الذين لا يؤمنون ) أي لا يجددون إيماناً ) بالآخرة ( بياناً لأن الحامل لهم على ذلك إضاعة اعتقاد ما ختم به الآية من الرجوع إليه الذي أتمه واظهره رجوع الآخرة ) وإذا ذكر الذين ( وبكت بهم في رضاهم بالأدنى فقال :( من دونه ) أي الأوثان، وأكد فرط جهلهم في اتباعهم الباطل وجمودهم عليه دون تلبث لنظر في دليل، أو سماع لقال أو قيل، بقوله :( إذا هم ) أي بضمائرهم المفيضة على ظواهرهم ) يستبشرون ) أي فاجؤوا طلب البشر وإيقاعه وتجديده على سبيل الثبات في ذلك كله سواء ذكر معهم الله أو لا، فالاستبشار حينئذ إنما هو بالانداد، والاشمئزاز والاستبشار متقابلان لأن الاشمئزاز : امتلاء القلب غماً وغيظاً فيظهر أثره، وهو الانقباض في أديم الوجه، والاستبشار : امتلاء القلب سروراً حتى يظهر أثره، وهو الانبساط والتهلل في الوجه - قال الزمخشري، والعمل في ( إذ ) الأولى هو العامل في الفجائية، أي فاجؤوا الاستبشار وقت هذا الذكر، وعبر بالفعل اولاً وبالاسمية ثانياً، ليفيد ذمهم على مطلق الاشمئزاز ولو كان على أدنى الأحوال، وعلى ثبات الاستبشار تقبيحاً لمطلق الكفر، ثم الثبات عليه فتحاً لباب التوبة.
ولما نفى صلاحية الوكالة على الناس في الهدى والضلال لغيره ودل على ذلك بملكه وأخبر بتعمدهم الباطل، أنتج ذلك وجب اللجاء إليه والإعراض عما سواه وقصر العزم عليه فقال معلماً بذلك لما يقال غند مخالفة الداعي باتباع الهوى :( قل ) أي يا من نزل عليه الكتاب فلا يفهم عنا حق الفهم غيره راغباً إلى ربك في أن ينصرك عليهم في الدنيا والآخرة :( اللهم ) أي يا الله، وهذا نداء محض ويستعمل أيضاً على نحوين آخرين - ذكرهما ابن الخشاب الموصلي في كتابه النهاية شرح الكفاية - أحدهما أن تذكر لتمكين الجواب في نفس السائل كما قال النبي ( ﷺ ) لضمام بن ثعلبة