صفحة رقم ٤٦٣
ولما أمر بروية الأمور كلها من الله وإسلام القياد كله إليه، أمر بما هو أعلى من ذلك، وهو المجاهدة بقتل النفس فقال :( واتبعوا ) أي عالجوا أنفسكم وكلفوها أن تتبع ) أحسن ما أنزل ( واصلاً ) إليكم ( على سبيل العدل كالإحسان الذي هو أعلى من العفو الذي هو فرق الانتقام باتباع هذا القرآن الذي هو أحسن ما نزل من كتب الله وباتباع أحاسن ما فيه، فتصل من قطعك وتعطي من حرمك وتحسن إلى من ظلمك، هذا في حق الخلائق ومثله في عبادة الخالق بأن تكون ( كأنك تراه ) الذي هو أعلى من استحضار ( إنه يراك ) الذي هو أعلى من أدائها مع الغفلة عن ذلك.
ولما كان هذا شديداً على النفس، رغب فيه بقوله مظهراً صغة الإحسان موضع الإضمار :( من ربكم ) أي الذي لم يزل يحسن إليكم وأنتم تبارزونه بالعظائم.
ولما كان من النفوس ما هو كالبهائم لا ينقاد إلا بالضرب، قال منبهاً أيضاً علة رفقه بإثبات الجار :( من قبل أن يأتيكم ) أي على ما بكم من العجز عن الدفاع ) العذاب ) أي الأمر الذي يزيل ما يعذب ويحلو اكم في الدنيا أو في الآخرة.
ولما كان الأخذ على غرة أصعب على النفوس قال :( بغتة ( ولما كان الإنسان قد يشعر بالشيء مرة ثم ينساه فيباغته، نفى ذلك بقوله :( وأنتم لا تشعرون ) أي ليس عندكم شعور بإيتانه لا في حال إيتانه ولا قبله بوجه من الوجوه لفرط غفلتكم، ليكون افظع ما يكون على النفس لشدة مخالفته لما هو مستقر فيها وهي متوطئة عليه من ضده.
ولما كان للإنسان عند وقوع الخسران أقوال وأحوال لو تخيلها قبل هجومه لحسب حسابه فباعد أسبابه.
علل الإقبال على الاتباع بغاية الجهد والنزاع فقال :( إن ) أي كراهة أن ) تقول ( ولما كان الموقع للإنسان في النقصان إنما هو حظوظه وشهواته المخالفة لعقله، عبر بقوله :( نفس ) أي عند وقوع العذاب لها، وإفرادها وتنكيرها كاف في الوعيد لأن كل أحد يجوز أن يكون هو المراد ) يا حسرتي ( والتحسير : الاغتنام على ما فات والتندم عليه، وألحق الألف بدلاً من الياء تعظيماً له، أي يا طول غماه لانكشاف ما فيه صلاحي عني وبعده مني فلا وصول لي إليه لاستدراك ما فات منه، وذلك عند انكشاف أحوالها، وحلول اوجالها وأهوالها ودل على تجاوز هذا التحسر الحد قراءة أبي جعفر ( حسرتاي ) بالجميع بين العوض وهو الألف والمعوض عنه وهو الياء، وحل المصدر لأن ما حل إليه أصرح في الإسناد وأفخم، وأدل على المراد وأعظم، فقال :( على ما فرطت ) أي بما ضيعت فانفرط مني نظامه، وتعذر انضمامه والتئامه.
ولما كان حق كل أحد قريباً منه حساً أو معنى حنى كأنه إلى جنبه، وكان بالجنب قوام الشيء ولكنه قد يفرط فيه لكونه منحرفاًعن الوجاه والعيان، فيدل التفريط فيه على


الصفحة التالية
Icon