صفحة رقم ٤٧٨
نازعتم، فالآية من الاحتباك : ذكر الرب أولاً دلالة على حذف الجبروت ثانياً والإنذار ثانياً دليلاً على البشارة أولاً ) قالوا بلى ) أي قد أتونا وتلوا علينا وحذرونا.
ولما كان عدم إقبالهم على الخلاص مما وقعوا فيه مع كونه يسيراً من أعجب العجب، بينوا موجبه بقولهم :( ولكن حقت ) أي وجبت وجوباً يطابقه الواقع، لا يقدر معه على الانفكاك عنه ) كلمة العذاب ) أي التي سبقت في الأزل علينا - هكذا كان الأصل، ولكنهم قالوا :( على الكافرين ( تخصيصاً بأهل هذا الوصف وبياناً لأنه موجب دخولهم وهو تعظيم للأنوار التي أتتهم بها الرسل.
ولما فرغوا من إهانتهم بتكبيتهم، أنكوهم بالأمر بالدخول، وعبر بالمبني للمفعول إشارة ألى أنهم وصلوا إلى أقصى ما يكون من الذل إنهم يتمثلون قول كل قائل جل أو قل، فقيل في جواب من كأنه قال : ماذا وقع بعد هذا التقريع ؟ :( قيل ) أي لهم جواباً لكلامهم :( ادخلوا أبواب جهنم ) أي طبقاتها المتجهمة لداخليها.
ولما كان الإخبار بالخلود حين الدخول أوجع لهم قالوا :( خالدين ) أي مقدرين الخلود ) فيها ( ولما كان سبب كفرهم بالأدلة هو التكبر، سبب عن الأمر بالدخول قوله معرى عن التأكيد لأنه يقال في الآخرة ولا تكذيب فيها يقتضي التأكيد ولم يتقدم منهم هنا كذب كالنحل بل اعتراف وتندم ) فبئس مثوى ) أي منزل ومقام ) المتكبرين ) أي الذين أوجب تكبرهم حقوق كلمة العذاب عليهم، فلذلك تعاطوا أسبابها.
الزمر :( ٧٣ - ٧٥ ) وسيق الذين اتقوا.....
) وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْاْ رَبَّهُمْ إِلَى الّجَنَّةِ زُمَراً حَتَّى إِذَا جَآءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ وَقَالُواْ الْحَمْدُ للَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَآءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ وَتَرَى الْمَلاَئِكَةَ حَآفِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ( ( )
ولما ذكر أحوال الكافرين، أتبعه أحوال أضدادهم فقال :( وسيق ( وسوقهم إلى المكان الطيب يدل على أن موقفهم كان طيباً لأن من كان في أدنى نكد فهيئ له مكان هنيء لا يحتاج في الذهاب إليه إلى سوق، فشتان ما بين السوقين هذا سوق إكرام، وذاك سوق إهانة وانتقام، وهذا لعمري من بدائع أنواع البديع، وهو أن يأتي سبحانه بكلمة في حق الكفار فتدل على هوانهم بعقابهم، ويأتي بتلك الكلمة بعينها وعلى هيئتها في حق الأبرار فتدل على إكرامهم بحسن ثوابهم، فسبحان من أنزله معجز المباني، متمكن المعاني، عذب الموارد والمثاني.


الصفحة التالية
Icon