صفحة رقم ٤٨٤
استجاب بحمده، وأناب بلطفه، وجرياً على حكم الرحمة وتغليبها، ثم قال ) شديد العقاب ذي الطول ( ليأخذ المؤمن عبوديته من الخوف والرجاء، واكتنف قوله ) شديد العقاب ( بقوله ) غافر الذنب وقابل التوبة ( وقوله ) ذي الطول ( وأشار سبحانه بقوله - ) فلا يغررك تقبلهم في البلاد ( - إلى قوله قبل ) وأوثنا الأرض ( وكأنه في تقدير : إذا كانت العاقبة لك ولإتباعك فلا عليك من تقلبهم في البلاد، ثم بين تعالى أن حالهم في هذا كحال الأمم قبلهم، وجدالهم في الآيات كجدالهم، وأن ذلك لما حق عليهم من كلمة العذاب، وسبق لهم في أم الكتاب - انتهى.
ولما تقدم آخر تلك أن كلمة العذاب حقت على الكافرين، فكان ذلك ربما أيأس من تلبس بكفر من الفلاح، وأوهمه أن انسلاخه من الكفر غير ممكن، وكان الغفران - وهو محو الذنب عيناً وأثراً - مترتباً على العلم به، والتمكن من الغفران وما رتب عليه من الأوصاف نتيجة العزة، دل عليهما مستعطفاً لكل عاص ومقصر بقوله :( غافر الذنب ) أي بتوبة وغير توبة إن شاء، وهذا الوصف له دائماً فهو معرفة.
قال السمين : نص سيبويه على أن كل ما إضافته غير محضة جاز أن تجعل محضة وتوصف بها المعارف إلا الصفة المشبهة، ولم يستثن الكوفيون شيئاً.
ولما أفهم تقديمه على التوبة أنه غير متوقف عليها فيما عدا الشرك، وكان المشركون يقولون : قد أشركنا وقتلنا وبالغنا في المعاصي فلا يقبل رجوعنا فلا فائدة لنا في إسلامنا، رغبهم في التوبة بذكرها وبالعطف بالواو الدالة على تمكن الوصف إعلاماً بأنه سبحانه لا يتعاظمه ذنب فقال :( وقابل التوب ( وجرد المصدر ليفهم أن أدنى ما يطلق عليه الاسم كاف وجعله اسم جنس كأخواته أنسب من جعله بينها جمعاً كتمر وتمرة.
ولما كان الاقتصار على الترغيب بما أطمع عذر المتمادي من سطوته، فقال معرياً عن الواو لئلا يؤنس ما يشعر به كل من العطف والصفة المشبهة من التمكن، وذلك إعلاماً بخفي لطفه في أن رحمته سبقت غضبه، وأنه لو أبدى كل ما عنده من العزة لأهلك كل من عليها كما أشير إليه بالمفاعلة في
٧٧ ( ) ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم ( ) ٧
[ النحل : ٦١ ] فإن الفعل إذا كان بين اثنين كان أبلغ :( شديد العقاب ( على أن تنكيره وإبهامه - كما قال الزمخشري - للدلالة على فرط الشدة وعلى ما لا شيء أدهى منه وأمر، لزيادة الإنذار وهي أخفى من دلالة الواو لو أوتي بها.
ولما أتم الترغيب بالعفو والترهيب من الأخذ، أتبعه التشويق إلى الفضل، فقال معرياً عن الواو لأن التمام لا يقتضي المبالغة، والحذف غير مخل بالغرض فإن دليل العقل قائم على كمال صفاته سبحانه :( ذي الطول ) أي سعة الفضل والإنعام والقدرة