صفحة رقم ٤٩٠
والتباغض والنجاة من النار باجتناب السيئات ولذلك قالوا :( وذلك ) أي الأمر العظيم جداً ) هو ) أي وحده ) الفوز العظيم ( فالآية من الاحتباك : ذكر إدخال الجنات أولاً دليلاً على حذف النجاة من النار ثانياً، ووقاية السيئات ثانياً دليلاً على التوفيق للصالحات أولاً، وسر ذلك التشويق إلى المحبوب - وهو الجنان - بعمل المحبوب - وهو الصالح - والتنفير من النيران باجتناب الممقوت من الأعمال، وهي السيء فذكر المسبب أولاً وحذف السبب لأنه لا سبب في الحقيقة إلا الرحمة، وذكر السبب ثانياً في إدخال النار وحذف المسبب.
ولما أتم الذين آمنوا، فتشوفت النفس إلى معرفة ما لأضدادهم، قال مستأنفاً مؤكداً لإنكارهم هذه المناداة بانكار يومها :( إن الذين كفروا ) أي أوقعوا الكفر ولو لحظة ) ينادون ) أي يوم القيامة بنداء يناديهم به من أراد الله من جنوده أو في الدار أرفع نعماً - أنهم آثر عند الله من فقراء المؤمنين، أكد قوله :( لمقت الله ) أي الملك الأعظم إياكم بخذلانكم ) أكبر من مقتكم ( وقوله :( أنفسكم ( مثل قوله تعالى :( انظر كيف كذبوا على أنفسهم ( جاز على سبيل الإشارة إلى تنزه الحضرة المقدسة عما لزم فعلهم من المقت، فإن من دعا إلى أحد فأعرض عنه إلى غيره كان إعراضه مقتاً للمعرض عنه، وهذا المقت منهم الموجب لمقت الله لهم موصل لهم إلى عذاب يمقتون به أنفسهم، والمقت أشد البغض ؛ ثم ذكر ظرف مقتهم العائد وباله عليهم بقوله :( إذا ) أي حين، وأشار إلى أن الإيمان لظهور دلائله ينبغي أن يقبل من أي داع كان، فبنى الفعل لما لم يسم فاعله فقال :( تُدعون إلى الإيمان ) أي بالله وما جاء من عنده ) فتكفرون ) أي فتوقعون الكفر الذي هو تغطية الآيات موضع إظهارها والإذعان بها، وهذا أعظم العقاب عند أولي الألباب، لأن من علم أن مولاه عليه غضبان علم أنه لا ينفعه بكاء ولا يغني عنه شفاعة ولا حيلة في خلاصه بوجه.
ولما كان من أعظم ذنوبهم إنكار البعث، وكانوا قد استقروا العوائد، وسبروا ما جرت به الأقدار في الدهور والمدائد، من أن كل ثان لا بد له من ثالث، وكان الإحياء لا يطلق عرفاً إلا من كان موت، حكى سبحانه جوابهم بقوله الذي محطه الإقرار بالبعث والترفق بالاعتراف بالذنب حيث لا ينفع لفوات شرطه وهو الغيب :( قالوا ربنا ) أي أيها المحسن إلينا بما تقدم في دار الدنيا ) أمتَّنا اثنتين ( قيل : واحدة عند انقضاء الآجل في الحياة الدنيا وأخرى بالصعق بعد البعث أو الإرقاد بعد سؤال القبر، والصحيح أن تفسيرها آية البقرة
٧٧ ( ) كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتاً فأحياكم ثم يميتكم ثم