صفحة رقم ٥٠٤
رسله، فكان ذلك سبب هلاكهم قال :( فأخذهم الله ) أي الذي له صفات الكمال أخذ غلبة وقهر وسطوة، ولما لم يتقدم شيء يسند إليه أخذهم، قال مبيناً ما أخذوا به :( بذنوبهم ) أي التي سببت لهم الأخذ ولم يغن عنهم شيء من ذلك الذي أبطرهم حتى عتوا به على ربهم ولا شفع فيهم شافع ) وما كان لهم ) أي من شركائهم الذين ضلوا بهم كهؤلاء ومن غيرهم ) من الله ) أي عوض المتصف بجميع صفات الكمال، أو كوناً مبتدئاً من جهة عظمته وجلاله، وأكد النفي بزيادة الجار فقال :( من واق ) أي يقيهم مراده سبحانه فيهم، لا من شركائهم ولا من غيرهم، فعلم أن الذين من دونه لا يقضون بشيء، ويجوز أن تكون ( من ) الأولى ابتدائية على بابها تنبيهاً على أن الأخذ في غاية العنف لأنه إذا لم يبتدئ من جهته سبحانه لهم وقاية لم تكن لهم باقية بخلاف نت عاقبه الله عقوبة تأديب، فإن عذابه يكون سبب بقائه لما يحصل له منه سبحانه من الوقاية.
ولما ذكر سبحانه أخذهم ذكر سببه بما حاصله أن الاستهانة بالرسول استهانة بمن أرسله في قوله :( ذلك ) أي الأخذ العظيم ولما كان مقصود السورة تصنيف الناس في الآخرة صنفين، فكانوا إحدى عمدتي الكلام، أتى بضميرهم فقال :( بأنهم ) أي الذين كانوا من قبل ) كانت تأتيهم ) أي شيئاً فشيئاً في الزمان الماضي على وجه قضاه سبحانه فأنفذه ) رسلهم ) أي الذين هم منهم ) بالبينات ) أي الآيات الدالة على صدقهم دلالة هي من وضح الأمر بحيث لا يسع منصفاً إنكارها.
ولما كان مطلق الكفر كافياً في العذاب، عبر بالماضي فقال :( فكفروا ) أي سببوا عن إيتان الرسل عليهم الصلاة والسلام الكفر موضع ما كان إيتانهم سبباً له من الإيمان.
ولما سبب لهم كفرهم الهلاك قال :( فاخذهم ) أي أخذ غضب ) الله ) أي الملك الأعظم.
ولما كان قوله ) فكفروا ( معلماً بسبب اخذهم لم يقل : بكفرهم، كما قال سابقاً : بذنوبهم، لإرشاد السباق إليه.
ولما كان اجتراؤهم على العظائم فعل منكر للقدرة، قال مؤكداً لعملهم عمل من لا يخافه :( إنه يقوي ( لا يغلبه شيء وهو يغلب كل شيء ) شديد العقاب (.
ولما كان ذلك عجباً لأن البينات تمنع من الكفر، فكان تقدير لمن ينكر الإرسال على هذه الصفة : فلقد أرسلناهم كذلك، وكان موسى عليه السلام من أجل المرسلين آيات، عطف على ذلك تسلية ونذارة لمن أدبر، وإشارة لمن استبصر قوله :( ولقد ( ولفت القول إلى مظر العظمة كما في الآيات التي أظهرها بحضرة هذا الملك المتعاظم من الهول والعظم الذي تصاغرت به نفسه وتحاقرت عنده همته وانطمس حسه، فقال :( أرسلنا ) أي على ما لنا من العظمة ) موسى بآياتنا ) أي الدالة على جلالنا ) وسلطان (


الصفحة التالية
Icon