صفحة رقم ٥٠٦
عندما علم أنه عاجز عن قتله وملاّه ما رأى منه خوفاً وذعراً، دافعاً عن نفسه ما يقال من أنه ما ترك موسى عليه السلام مع استهانته به إلا عجزاً عنه، موهماً أن آله هم الذين يردونه عنه، وأنه لولا ذلك قتله :( ذروني ) أي اتركوني على أيّ حالة كانت بقوله :( وليدع ربه ) أي الذي يدعوه ويدعي إحسانه إليه بما يظهر على يديه من هذه الخوارق، ثم علل ذلك بقوله مؤكداً إعلاماً بأنه الأمر صعب جداً لأنه كان منهم من يوهي أمره بأنه لا يؤثر ما هو فيه شيئاً أصلاً تقرباً إلى فرعون، وإظهاراً للثبات على متابعته ) إني أخاف ) أي إن تركته ) أن يبدل دينكم ) أي الذي أنتم عليه من نسبة الفعل إلى الطبيعة بما يدعو إليه من عباده إلهه.
ولما ألهبهم بهذا الكلام إلى ممالأتهم له على موسى عليه السلام، زاد في ذلك بقوله :( وأن يظهر ) أي بسببه - على قراءة الجماعة بفتح حرف المضارعة ) في الأرض ) أي كلها ) الفساد ( وقرأ المدنيان والبصريان وحفص بالضم إسناداً إلى ضمير موسى عليه السلام وبنصب الفساد أي بفساد المعائش فإنه إذ غلب علينا قوي على من سوانا، فسقك الدماء وسبى الذرية، وانتهب الأموال، ففسدت الدنيا مع فساد الدين، فسمى اللعين الصلاح - لمخالفته لطريقته الفاسدة - فساداً كما هو شأن كل مفسد مع المصلحين، وقرأ الكوفيون ويعقوب ( أو أن ) بمعنى أنه يخاف وقوع أحد الأمرين : التبديل أو ظهور ما هو عليه مما سماه فساداً، وإن لم يحصل التبديل عاجلاً فإنه يحصل به الوهن.
غافر :( ٢٧ - ٣٠ ) وقال موسى إني.....
) وَقَالَ مُوسَى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِّن كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لاَّ يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَآءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِن رَّبِّكُمْ وَإِن يَكُ كَاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِن يَكُ صَادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ يقَومِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الأَرْضِ فَمَن يَنصُرُنَا مِن بَأْسِ اللَّهِ إِن جَآءَنَا قَالَ فِرْعَوْنُ مَآ أُرِيكُمْ إِلاَّ مَآ أَرَى وَمَآ أَهْدِيكُمْ إِلاَّ سَبِيلَ الرَّشَادِ وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يقَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ مِّثْلَ يَوْمِ الأَحْزَابِ ( ( )
ولما أعلم بمقالة العدو، أتبعه الإعلام بقول الولي فقال :( وقال موسى ( إبطالاً لهذا القول وإزالة لآثاره مؤكداً لما استقر في النفوس من قدرة فرعون :( إني عذت ) أي اعتصمت عند ابتداء الرسالة ) بربي ( ورغبهم في الاعتصام به وثبتهم بقوله :( وربكم (


الصفحة التالية
Icon