صفحة رقم ٥١١
وطوع مشيئته وأمره، ومتى لم يعرفوا حقه وأرادوا البغي على من يعرف حقه عاقبهم ولا بد، وإلا كان كفه ظلماً للمبغي عليهم.
ولما أشرق من آفاق هذا الوعظ شمس البغث ونور الحشر، لأنه لا يسوغ أصلاً أن ملكاً يدع عبيده يبغي بعضهم على بعض من غير إنصاف بينهم ونحن نرى أكثر الخلق يموت مقهوراً من ظالمه، ومكسوراً من حاكمه، فعلم قطعاً أن الموت الذي لم يقدر ولا يقدر أحد أصلاً أن يسلم منه إنما هو سوق إلى دار العرض وساحة الجزاء للقرض - كما جرت به عادة الملوك إذا وكلوا بمن يأمرون باحضاره إليهم لعرضه عليهم ليظهر التجلي في صفات الجبروت والعدل، ومظاهر الكرم الفضل قال :( ويا قوم ( ولما كانوا منكرين للبعث أكد فقال :( إني أخاف ( وعبر بأداة الاستعلاء زيادة في التخويف فقال :( عليكم ( ولما كان قد سماه فيما مضى بالتلاقي والآزفة لما ذكر، عرف هنا أن الخلق فيه وجلون خائفون وأنهم لكثرة الجمع ينادُون وينادَون للرفعة أو الضعة وغير ذلك من الأمور المتنوعة التي مجموعها يدل على ظهور الجبروت وذل الخلق لما يظهر لهم من الكبرياء والعظموت فقال :( يوم التناد ) أي أهواله وما يقع فيه، فينادي الجبار سبحانه بقوله ) ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تبعدو الشيطان ( وينادونه ( بلى يا ربنا ) وتنادي الملائكة بصوت يسمعه من بعد كما يسمعه من قرب ( يا فلان ابن فلان أقبل لفصل النزاع ) وينادي ذلك العبد ( ألا سمعاً وطاعة ) وينادي الفائز ( ألا نعم أجر العاملين ) وينادي الخائب ( ألا بئس منقلب الظالمين ) وينادي الكل حين يذبح الموت، ويدعى كل أناس بإمامهم، وتتنادى الملائكة وقد أحاطوا بالثقلين صفوفاً مترتبة ترتب السماوات التي كانوا بها بالتسبيح والتقديس، وترتفع الأصوات بالضجيج، بعضهم بالسرور وبعضهم بالويل والثبور، وتنادي ألسن النيران : أي الجبارون أين المتكبرون، وتنادي الجنة، أين المشمرون في مرضاة الله، وقرأ ابن عباس رضي الله عنهما في آخرين بتشديد الدال من التناد على أنه مصدر تنادّ من ند البعير - إذا هرب ونفر، وهو كقوله يوم
٧٧ ( ) يفر المرء من أخيه ( ) ٧
[ عبس : ٣٤ ] وتقدم في حذف ياء التلاق وإثباتها ما يمكن الفطن تنزيله هنا.
ولما كانت عادة المتنادين الإقبال، وصف ذلك اليوم بضد ذلك لشدة الأهوال فقال مبدلاً أو مبيناً :( يوم تولون مدبرين ) أي حين تخرج ألسنة النيران فتخطف أهل الكفران، وتزفر زفرات يخر أهل الموقف من خشيتها، فترى كل أمة جاثية ويفرون فلا يقصدون مكاناً إلا وجدوا به الملائكة صافين كما قال تعالى
٧٧ ( ) والملك على أرجائها ( ) ٧
[ الحاقة : ١٧ ]


الصفحة التالية
Icon