صفحة رقم ٥١٤
ولما كان الجدال بالتي هي أحسن مشروعاً، وهو بما أمر به قال :( بغير سلطان ) أي تسليط ودليل ) أتاهم ) أي من عند من له الأمر كله ) كبر ) أي عظم هو، أي الجدال المقدر مضافاً قبل ) الذين ( وبين ما أبهم من هذا العظم بتمييز محول عن الفاعل فقال :( مقتاً عند الله ) أي الملك الأعظم ) وعند الذين آمنوا ) أي الذين هم خاصته.
ولما كان فاعل هذا لا يكون إلا مظلم القلب، فكان التقدير : أولئك طبع الله على قلوبهم، وصل به استنافاً قوله :( كذلك ) أي مثل هذا الطبع العظيم ) يطبع ) أي يختم ختماً فيه العطب ) الله ) أي الذي له جميع العظمة ) على كل قلب ( ولما كان فعل كل ذي روح إنما هو بقلبه، نسب الفعل إليه في قراءة أبي عمرو وابن عامر في إحدى الروايتين عنه بالتنوين فوصفه بقوله :( متكبر ) أي متكلف ما ليس له وليس لأحد غير السور داخل القلب ليعم جميع أفراده غير أن الوصف بالكبر والجبروت للشخص لا للقلب، وهي أبين من القراءة ممن اتصف بهذا الوصف، ومن المقطوع به أن آحاد القلوب موزعة على أحاد الأشخاص لأنه لا يكون لشخص أكثر من قلب بخلاف ما إذا قدم القلب فإنه يدعي أن الشخص الواحد، وأن السور لأجل جمعه لأنواع الكبر والجبروت فيكون المعنى : على قلب شخص جامع لكل فرد من أفراد التكبر والتجبر - والله الموفق.
ولما ذكر الطبع المذكور، دل عليه بما ذكر من قول فرعون وفعله عطفاً على ما مضى من قوله وقول المؤمن، فإنه قصد ما لا مطمع في نيله تهياً وحماقة تكبراً وتجبراً لكثافة قلبه وفساد لبه، فصار بذلك التلبيس على قومه للمدافعة عن اتباع موسى عليه السلام إلى وقت ما فقد نادى عليهم بالجهل، والإغراق في قلة الحزم والشهامة والعقل، فقال تعال :( وقال فرعون ) أي بعد قول المؤمن هذا، معرضاً عن جوابه لأنه لم يجد فيه مطعناً :( يا هامان ( وهو وزيره ) ابنِ ( وعرفه بشدة اهتمامه به بالإضافة إليه في قوله :( لي صرحاً ) أي بناء ظاهراً يعلوه لكل أحد.
قال البغوي : لا يخفى على الناظر وإن بعد.
وأصله من التصريح وهو الإظهار، وتعليله بالترجي الذي لا يكون إلا في الممكن دليل على أنه كان يلبس على قومه وهو يعرف الحق، فإن عاقلاً لا يعد ما رامه في عداد الممكن العادي فقال :( لعلي أبلغ الأسباب ) أي التي لا أسباب غيرها لعظمها.


الصفحة التالية
Icon