صفحة رقم ٥١٩
) وأنا ادعوكم ) أي أوقع دعاءكم الآن وقبله وبعده ) إلى العزيز ) أي البالغ العزة الذي يغلب كل شيء ولا يغلبه شيء.
ولما وصفه بهذا الوصف ترهيباً، صح قطعاً وصفه ترغيباً بقوله :( الغفار ) أي الذي يتكرر له دائماً محو الذنب عيناً وأثراً ولا يقدر على غير ذلك من هو بصفة العزة، ومن صح وصفه بهذين الوصفين فهو الذي لا يجهل ما عليه، من صفات الكمال أحد، فالآية من الاحتباك : ذكراً أولاً عدم العلم دليلاً على العلم ثانياً، وثانياً العزة والمغفرة دليلاً على حذفهما أولاً.
ولما كان انتفاء العلم بالشيء من أهل العلم انتفاء ذلك الشيء في أصول الدين، كان ما دعوه إليه باطلاً، وكان ما دعاهم إليه هو الحق، فلذلك أنتج قطعاً قوله :( لا جرم ( وهي إن كانت بمعنى : لا ظن ولا اضطراب أصلاً - كما مضى في سورة هود عليه السلام فيها معنى العلة، أي فلأجل ذلك لا شك في ) إنما ) أي الذي ) تدعونني إليه ( من هذه الأنداد ) ليس له دعوة ( بوجه من الوجوه، فإنه لا يقوم عليها دليل بل ولا شبهة موهمة ) في الدنيا ( التي هي محل الأسباب، الظاهرة لأن شيئا منه ليس له واحد من الوصفين ) ولا في الآخرة ( لأن ما لا تعلم إلهيته كذلك يكون ) وإن ) أي ولا اضطراب في أن ) مردنا ) أي ردنا العظيم بالموت وموضع ردنا ووقته منتهٍ ) إلى الله ) أي الذي له الإحاطة بصفات الكمال لما اقتضته عزته، فيجازي كل أحد بما يستحقه ) وأنَّ ) أي ولا شك في أن ) المسرفين ) أي المجاوزين للحدود العريقين في هذا الوصف ) هم ) أي خاصة لأجل حكم الله بذلك عليهم ) أصحاب النار ) أي الذين يخلدون فيها لا يفارقونها كما يقتضيه معنى الصحبة لأن إسرافهم اقتضى إسراف ملازمتهم للنار التي طبعها الإسراف، وقد علم أن ربها لا يجزي بالسيئة إلا مثلها.
ولما تقرر أنه لا أمر لغير الله وأنه لا بد من المعاد، تسبب عنه بقوله :( فستذكرون ) أي قعطاً بوعد لا خلف فيه مع القرب ) ما أقول لكم ( حين لا ينفعكم الذكر في يوم الجمع الأعظم والزحام الذي يكون فيه القدم على القدم إذا رأيتم الأهوال والنكال والزلزال إن قبلتم نصحي وإن لم تقبلوه.
ولما ذكر خوفهم الذي لا يحميهم منه شيء ذكر خوفه الذي هو معتمد فيه على الله ليحيمه منه فقال عاطفاً على ( ستذكرون ) غير مراعى فيها معنى السين :( وأفوض ) أي أنا الآن بسبب أنه لا دعوة لغير الله ) أمري ( فيما تمكرونه بي ) إلى الله ) أي الذي أحاط بكل شيء علماً وقدرة فهو يحميني منكم : إن شاء، قال صاحب المنازل : التفويض ألطف إشارة وأوسع من التوكل بعد وقوع السبب، والتفويض قبل وقوعه وبعده، وهو عين الاستسلام، والتوكل شعبة


الصفحة التالية
Icon