صفحة رقم ٥٢٤
لهم، ولو بأن يقيض سبحانه لأعدائهم من يقتض ولو بعد حين، وأقل ذلك أن لا يتمكن أعداؤهم من كل ما يرون منهم ) ويوم يقوم الأشهاد ) أي في الدار الآخرة من الملائكة والنبيين وسائر المقربين، جمع كشريف وأشراف، إشارة إلى أن شهادتهم بليغة في بابها، لما لهم من الحضور التام، وإلى ذلك يشير تذكير الفعل والتعبير بجميع القلة، ولكن الجياد قليل مع أنهم بالنسبة إلى أهل الموقف كالشعرة البيضاء في جلد الثور الأسود، وإنما عبر بذلك إشارة إلى أهل الحكم بصفات الجبروت للقسط، فيرفع أولياءه لكل اعتبار، ويهين أعداءهم كل إهانة.
ولما وصف اليوم الآخر بما لا يفهمه كثير من الناس، أتبعه ما اوضحه على وجه بين نصره لهم غاية البيان، فقال مبدلاً مما قبله :( يوم لا ينفع الظالمين ( الذين كانوا عريقين في وضع الأشياء في غير مواضعها ) معذرتهم ) أي اعتذارهم وزمانه ومكانه - بما أشار إليه كون المصدر ميمياً ولو جل - وأنه غير نافعهم لأنهم لا يعتذرون إلا بالكذب
٧٧ ( ) والله ربنا ما كنا مشركين ( ) ٧
[ الأنعام : ٢٣ ] أو بالقدر
٧٧ ( ) ربنا غلبت علينا شقوتنا ( ) ٧
[ المؤمون : ١٠٦ ] ) ولهم ) أي خاصة ) اللعنة ) أي البعد عن كل خير، مع الإهانة بكل ضير ) ولهم ) أي خاصة ) سوء الدار ( وهي النار الحاوية لكل سوء - هذا مع ما يتقدمها من المواقف الصعبة، وإذا كان هذا لهم فما ظنك بما هو عليهم، وقد علم من هذا أن لأعدائهم - وهم الرسل وأتباعهم - الكرامة والرحمة ولهم قبول الاعتذار وحسن الدار، فظهرت بذلك أعلام النصرة، وصح ما أخبر به من تمام القدرة.
ولما كان التقدير : فلقد نصرنا موسى رسولنا مع إبراق فرعون وإرعاده، عطف عليه قوله دالاً على الكرامة والرحمة، مؤكداً لإزالة ما استقر في النفوس من أن ملوك الدنيا لا يغلبهم الضعفاء :( ولقد آتينا ) أي بما لنا من العزة ) موسى الهدى ) أي في الدين اللازم منه أن يكون له العاقبة وإن تناهت ضخامة من يعانده، لأنه ضال عن الهدى، والضال هالك وإن طال المدى، وذلك بما آتيناه من النبوة والكتاب.
ولما كانت النبوة خاصة والكتاب عاماً قال :( وأورثنا ) أي بعظمتنا ) بني إسرائيل ( بعد ما كانوا فيه من الذل ) الكتاب ) أي الذي أنزلنا عليه وآتيناه الهدى به - وهو التوراة - إيتاء هو كالإرث لا ينازعهم فيه أحد، ولا أهل له في ذلك الزمان غيرهم، حال كونه ) هدى ) أي بياناً عاماً لكل من تبعه ) وذكرى ) أي عظة عظيمة ) لأولي الألباب ) أي القلوب الصافية والعقول الوافية الشافية، فذكر إيتاء موسى الثمرة وذكر إيراثهم السبب إشارة إلى أنهم من جنى ثمرته فاهتدي، ومنهم من صل، وذلك تحذير للاتباع، وتشريف للأنبياء بما نالوه من مراتب الارتفاع.


الصفحة التالية
Icon