صفحة رقم ٥٢٧
عالين غالبين، عنه قوله تعالى :( فاستعذ ) أي اطلب العوذ ) بالله ( المحيط بك شيء من شر كبرهم كما عاذ به موسى عليه السلام لينجز لك ما وعدك كما أنجز له، ثم علل ذلك بقوله :( إنه ) أي على ما له من البطون ) هو ) أي وحده ) السميع ( لكل ما يمكن أن يسمع.
ولما كان السياق للعياذ من شياطين الإنس الذين لهم المكر الظاهر والباطن، ختم بقوله :( البصير ( الصالح للبصر والبصيرة فيعم المحسوس والمعلوم، وختم آيتي الأعراف وفصلت المسبوقتين لنزغ الشيطان الذي هو وساس وخطرات باطنة بالعليم.
ولما كان أعظم النظر في آية المجادلة المكررة من أول السورة إلى هنا إلى البعث وصيرورة العباد إلى الله بالحشر ليقع فيه الحكم الفصل، وتتحقق نصرة الأنبياء وأتباعهم يوم يقوم الأشهاد، دل على قدرته عليه بما هو كالتعليل لما نفى في آية المجادلة من بلوغهم لما قصدوا من الكبر، فقال مؤكداً تنزيلاً للمقر العالم منزلة الجاهل المعاند لمخالفة فعله لاعتقاده :( لخلق السماوات ) أي خلق الله لها على عظمها وارتفاعها وكثرة منافعها واتساعها ) والأرض ( على ما ترون من عجائبها وكثرة متاعها ) أكبر ( عند كل من يعقل من الخلق في الخلق ) من خلق الناس ) أي خلق الله لهم لأنهم شعبة يسيرة من خلقهما، فعلم قطعاً أن الذي قدر على ابتدائه على عظمه قادر على إعادة الناس على حقارتهم ) ولكن أكثر الناس ( وهم الذين ينكرون البعث وغيره مما يمكن أن تتعلق به القدرة وصح به السمع ) لا يعلمون ) أي لا علم لهم أصلاً، بل هم كبالبهائم لغلبة الغفلة عليهم واتباعهم اهواءهم، فهم لا يستدلون بذلك على القدرة على البعث كما أن البهائم ترى الظاهر فلا تدرك به الباطن، بل هم أنزل رتبة من البهائم، لأن هذا النحو من العلم في غاية الظهور فهم كالمحسوس، فمن توقف فيه كان جماداً.
ولما ثبت بهذا القياس الذي لا خفاء به لا دافع له ولا مطعن فيه أن القادر على خلق الكبير ابتداء قادر على تسوية الصغير إعادة، وثبت به أيضاً أن خلق الناس ليس مستنداً إلى طبائع السماوات والأرض وإلا لتساووا في العلم والجهل، والقدر والهيئة والشكل، لأن اقتضاء الطبائع لذلك على حد سواء لا تفاوت فيه، وهي لا اختيار لها، وكان من الناس من يقول : إن هذا الإيجاد إنما هو للطبائع، ومن هؤلاء فرعون الذي مضى في هذه السورة كثير من كشف عواره وإظهار عاره، دل على إبطاله بأن ذلك قول يلزمه التساوي فيما نشأ عن ذي الطبع لأن لا اختيار له ونحن نشاهد الأشياء مختلفة، فدل ذلك قطعاً على أنها غير مستندة إلى طبيعة بل إلى فاعل مختار، فكان التقدير بما أرشد إليه سياق الآية قطعاً مع ختمها بنفي العلم وعطف ما بعدها على غير مذكور :