صفحة رقم ٥٥٥
بيوم السبت وهو مصرح بأن خلق الأرض وما فيها في ستة أيام كما هو ظاهر هذه الآية، ويجاب بأن المراد بالخلق فيه إخراج أقواتها بالفعل، والمراد هنا تهيئتها لقبول ذلك، ويشكل أيضاً بأن الأيام إنما كانت بدوران الأفلاك، وإنما كان ذلك بعد تمام الخلق بالفعل، فالظاهر أن المراد باليوم ما قاله الحرالي : مقدار ما يتم فيه أمر ظاهر أو مقدار يومين تعرفونها من أيام الدنيا.
ولما ذكر كفرهم بالبعث وغيره، عطف على ) تكفرون ( قوله :( وتجعلون ) أي مع هذا الكفر ) له أنداداً ( مما خلقه، فتثبتون له أفعالاً وأقوالاً مع أنكم لم تروا شيئاً من ذلك، فأنكرتم ما تعملون مثله وأكبر منه، وأثبتّم ما لم تعملوه أصلاً، هذا هو الضلال المبين.
ولما بكتهم على قبيح معتقدهم، عظم ذلك بتعظيم شأنه سبحانه فقال :( ذلك ) أي الإله العظيم ) رب العالمين ) أي موجدهم ومربيهم، وذلك يدل قطعاً على جميع ما له من صفات الكمال.
ولما ذكر ما هم به مقرون من إبداعها، أتبعه ما جعل فيها من الغرائب، فقال عاطفاً على ما تقديره : أبدع الأرض على ما ذكر :( وجعل ( ولا يجوز عطفه على صلة الموصول للفصل بأجنبي ) فيها رواسي ( هي أشدها وهي الجبال، ونبه على أنها مخالفة للرواسي في كونها تحت ما يراد إرساؤه فقال :( من فوقها ( فمنعتها من الميد، فعل ذلك لكونه أدل على القدرة، فإنها لو كانت من تحت لظن أنها، أساطين حاملة، ولتظهر منافع الجبال بها أنفسها وبما فيها، ويشاهد أنها أثقال مفتقرة إلى حامل.
ولما هيأها لما يراد منها، ذكر ما أودعها فقال :( وبارك فيها ) أي جعلها قابلة ميسرة للسير إليه والإقبال عليه، ودالة على جميع صفاته الحسنى وأسمائه العلى وغير ذلك من المعارف والقدر والقوى ) وقدر فيها أقواتها ) أي جعلها مع البركة على مقدار لا تتعداه، منهاج بديع دبره في الأزل وارتضاه، وقدره فأمضاه، ومن ذلك أنه خص بعض البلاد بشيء لا يوجد في غيرها لتنظيم عمارة الأرض كلها باحتياج بعضهم إلى بعض، فكان جميع ما تقدم من إيداعها وإيداعها ما ذكر من متاعها، دفعة واحدة لا ينقص عن حاجة المحتاجين أصلاً، وإنما ينقص توصلهم أو توصل بعضهم إليه فلا يجد له حينئذ ما يكفيه، وفي الأرض أضعاف كفايته، ثم ذكر فذلكة خلق الأرض وما فيها فقال :( في أربعة أيام ( وهذا العدد عن ضم اليومين الماضيين إلى يومي الأقوات وهما الثلاثاء والأربعاء، أو يكون المعنى في تتمته أربعة أيام، ولا يحمل على الظاهر ليكون ستة لأنه سيأتي للسماوات يومان فكانت تكون ثمانية، فتعارض آية ) ألم السجدة ( ) لله الذي خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام ( وفصل مقدار ما خلقها فيه ومقدار ما خص


الصفحة التالية
Icon