صفحة رقم ٥٥٩
فصلت :( ١٣ - ١٦ ) فإن أعرضوا فقل.....
) فَإِنْ أَعْرَضُواْ فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِّثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ إِذْ جَآءَتْهُمُ الرُّسُلُ مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ اللَّهَ قَالُواْ لَوْ شَآءَ رَبُّنَا لأَنزَلَ مَلاَئِكَةً فَإِنَّا بِمَآ أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُواْ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُواْ مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُواْ بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي أَيَّامٍ نَّحِسَاتٍ لِّنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لاَ يُنصَرُونَ ( ( )
ولما كان هذا القدر من العلم موجباً للانقياد لكل خير من الوحدانية وغيرها، والإقبال على الحق في كل أمر، فكان المتمادي على إعراضه قبل الوعظ به كأنه جدد إعراضاً غير إرعراضه الأول، قال مفصلاً بعض قوله ) فأعرض أكثرهم ( :( فإن أعرضوا ) أي استروا على إعراضهم، أو أعرض غيرهم عن قبول ما جئتهم به من الذكر بعد هذا البيان الواضح في هذه الآيات التي دلت على الوحدانية والعلم والقدرة وغيرها من صفات الكمال أتم دلالة ) فقل ) أي لهم : إن لكم سلفاً سلكتم طريقهم في العناد، فإن أبيتم إلا الإصرار ألحقناكم بهم كأمثالهم وهو معنى ) أنذرتكم صاعقة (، أي حلول صاعقة مهيأة لمن كشف له الأمر فعاند، فإن وظيفة الحجة قد تمت على أكمل الوجوه، قال البغوي وابن الجوزي : والصاعقة المهلكة من كل شيء - انتهى.
والحاصل أنه عذاب شديد الوقع كأنه في شدة وقعه صاعقة.
ولما كان التخويف بما تسهل مشاهدة مثله أوقع في النفس قال :( مثا صاعقة عاد وثمود ) أي الذين تنظرون ديارهم وتستعظمون آثارهم، وعلل إيقاع ذلك بهم بقوله :( إذا ( ويجوز أن يكون ظرفاً لصاعقة وظرفيته لا تنافي عليته أي حين ) جاءتهم الرسل ( لأن الزمان الطويل يجوز نسبة ما وقع في جزء منه إليه، ولما كانت الرسل إنما أتت بالفعل في بعض الزمان أدخل الجار فقال :( من بين أيديهم ) أي من قبلهم لأن النذير الأول نذير لكل من أتى بعده بأنه إن واقع ما واقعه أتاه ما عذب به ) ومن خلفهم ( وهم من أتى إليهم لأنهم لم يكونوا يعلمون إيتانهم، فالخلف كناية عن الخفاء، والقدام عن الجلاء، ولا شك أن الإنسان لما انقاد له من قبله فسمعه منه أقبل مما رآه بعينه، لأن النفس لا تنقاد لما خالفها إلا بعد جدال وجهاد، فإذا تطاول الزمن وانقاد له الغير، سهل عليها الأمر، وخف عليها الخطب، وأيضاً الآتي إلى ناس إنما يأتيهم بعد وجودهم وبلوغهم حد التكيف، فهو بهذا آتٍ إليهم من ورائهم أي بعد وجودهم أو يكون ما بين الأيدي هو من جاءهم لأنهم علموا بمجيئه علم من ينظر من قدامه، وما خلفهم ما غاب عنهم ممن