صفحة رقم ٥٦١
الفطرة الأولى فهو علم ضروري ) أنّ الله ) أي المحيط بكل شيء قدرة وعلماً ) الذي خلقهم ( ولم يكونوا شيئاً ) هو أشد منهم قوة ( ومن علم أن غيره أقوى منه وكان عاقلاً انقاد له فيما ينفعه ولا يضره، واجتماع قوتهم التي هي شدة البنية وقوته سبحانه التي هي كمال القدرة وهي صفة قائمة بذاته سبحانه إنما هو من الآثار الناشئة عن القوة، فلذلك جمعاً بأشد.
ولما بين أنهم أجدوا الكبر، عطف عليه من غرائزهم ما هو أصل لكل سوء، فقال مبيناً قرط جهلهم باجرائهم على العظمة التي شأنها قصم الظالم وأخذ الآثم :( وكانوا ) أي طبعاً لهم ) بآياتنا ( على ما لها من العظمة بنسبتها إلينا ) يجحدون ) أي ينكرون إنكاراً يضمحل عنده كل إنكار عناداً مع علمهم بأنها من عندنا ) فأرسلنا ( بسبب ذلك على ما لنا من العظمة، ودل على صغارهم وحقارتهم بأداة الاستعلاء فقال :( عليهم ( وزاد في تحقيرهم بأن أخبر أنه أهلكهم لأجل ما تعززوا به من قوة أبدانهم ووثاقة خلقهم بما هو من ألطف الأشياء جسماً وهو الهواء فقال :( ريحاً ) أي عظيمة ) صرصراً ) أي شديدة البرد والصوت والعصوف حتى كانت تجمد البدن ببردها فتكون كأنها تصره - أي تجمعه - في موضع واحد فتمنعه التصرف بقوته، وتقطع القلب بصوتها، فتقهر شجاعته، وتحرق بشدة بردها كل ما مرات عليه.
ولما تقدم في هذا السياق استكبارهم على الوجه المذكور وادعاؤهم أنهم أشد الناس قوة اقتضى الحال تحقيرهم في إهلاكهم، فذكر الأيام دون الليالي وإن تضمنتها فقال تعالى :( في أيام ( ولما كان جمع القلة قد يستعار للكثرة حقق أن المراد القلة بوصفه بجمع السلامة فقال :( نحسات ( وكان ذلك أدل على هذا المراد من إفراد اليوم كما في القمر لأنه قد يراد به زمان يتم فيه أمر ظاهر ولو طالت مدته، ويصح للجنس فيشمل مع القليل ما يصلح له جمع الكثرة.
وفيه - مع أنه نذارة - رمز للمنزل عليه هذا الوحي ( ﷺ ) بأعظم بشارة لما أومأ إليه افتتاح السورة باسمي الرحمة، وقوله تعالى ) بشيراً ونذيراً ( ومن جعل أيام هذا العذاب ثمانية، أشار إلى الحلم والتأني كما أشار إليه ما تقدم من خلق هذا الوجود في ستة أيام، وقد كان قادراً على كل من التعذيب والإيجاد في لحظة واحدة، فأشار ذلك إلى أنه في السنة السادسة من الهجرة يكون الفتح السببي بعمرة الحديبية التي كانت سبب نزول سورة الفتح، وفي السابعة يكون الاعتمار الذي كان عليهم أشد من وقوع الصارم البتار، حتى ذهب عمرو بن العاص من أجل ذلك إلى الحبشة لئلا يرى من دخول النبي ( ﷺ ) وأصحابه رضي الله عنهم ما لا صبر له عليه، وفي


الصفحة التالية
Icon