صفحة رقم ٥٧
النار كما أقسمنا لأه ليس أحد إلا يردها، ثم أخرجنا أهل ودنا وتركناهم فيها ترك المنسي.
ولما كان ما تقدم من أمرهم بالذوق مجملاً، بينه بقوله مؤكداً له :( وذوقوا عذاب الخلد ) أي المختص بأنه لا آخر له.
ولما كان قد خص السبب فيما مضى، عم هنا فقال :( بما كنتم ) أي جبلة وطبعاً ) تعلمون ( من أعمال من لم يخف أمر البعث ناوين أنكم لا تنفكون عن ذلك.
ولما كان قوله تعالى :( بل هم بلقاء ربهم كافرون ( قد أشار إلى أن الحامل لهم على الكفر الكبر، وذكر سبحانه أنه قسم الناس قسمين لأجل الدارين، تشوقت النفس إلى ذكر علامة أهل الإيمان كما ذكرت علامة أهل الكفران، فقال معرفاً أن المجرمين لا سبيل إلى إيمانهم
٧٧ ( ) ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه ( ) ٧
[ الأنعام : ٢٨ ] :( إنما يؤمن بآياتنا ( الدالة على عظمتنا ) الذين إذا ذكروا بها ( من أيّ مذكر كان، في أيّ وقت كان، قبل كشف الغطاء وبعده ) خروا سجداً ) أي بادروا إلى السجود مبادرة من كأنه سقط من غير قصد، خضعاً لله من شدة تواضعهم وخشيتهم وإخباتهم له خضوعاً ثابتاً دائماً ) وسبحوا ) أي أوقعوا التنزيه عن كل شائبة نقص من ترك البعث المؤدي إلى تضييع الحكمة ومن غيره متلبسين ) بحمد ( ولفت الكلام إلى الصفة المقتضية لتنزيههم وحمدهم تنبيهاً لهم فقال :( ربهم ) أي بإثباتهم له الإحاطة بصفات الكمال، ولما تضمن هذا تواضعهم، صرح به في قوله :( وهم لا يستكبرون ) أي لا يجددون طلب الكبر عن شيء مما دعاهم إليه الهادي ولا يوجدنه خلقاً لهم راسخاً في ضمائرهم.
ولما كان المتواضع ربما نسب إلى الكسل، نفى ذلك عنهم بقوله مبيناً بما تضمنته الاية السالفة من خوفهم :( تتجافى ) أي ترتفع ارتفاع مبالغ في الجفاء - بما أشار إليه الإظهار، وبشر بكثرتهم بالتعبير بجمع الكثرة فقال :( جنوبهم ( بعد النوم ) عن المضاجع ) أي الفرش الموطأة الممهدة التي هي محل الراحة والسكون والنوم، فيكونون عليها كالملسوعين، لا يقدرون على الاستقرار عليها، في الليل الذي هو موضع الخلوة ومحط اللذة والسرور بما تهواه النفوس، قال الإمام السهرودي في الباب السادس والأربعين من عوارفه عن المحبين : قيل : نومهم نوم الفرقى، وأكلهم أكل المرضى، وكلامهم ضرورة، فمن نام من غلبة بهمّ مجتمع متعلق بقيام الليل وفق لقيام الليل، وإنما النفس إذا طعمت ووطنت على النوم استرسلت فيه، وإذا أزعجت بصدق العزيمة لا تسترسل في الاستقرار، وهذا الإزعاج في النفس بصدق العزيمة هو التجافي الذي قال الله، لأن الهم بقيام الليل وصدق العزيمة يجعل بين الجنس والمضجع سواء وتجافياً.