صفحة رقم ٥٧٧
يفترون.
ولما كان في سياق الفرص لاستكبارهم المقتضي لإنكارهم، أكد بالعاطف والضمير فقال مؤذناً بأن هذا ديدنهم لا ينفكون عنه :( وهم ) أي والحال أنهم على هذا الدوام ) لا يسئمون ) أي لا يكاد لهم في وقت من الأوقات فتور ولا ملل، فهو غني عن عبادة هؤلاء بل وعن عبادة كل عابد، والحظ الأوفر لمن عنده وأما هو سبحانه فلا يزيده شيئاً ولا ينقصه شيء فدع هؤلاء أن استكبروا وشأنهم، فيعلمون من الخاسر، فالآية من الاحتباك : ذكر الاستكبار أولاً دليلاً على حذفه ثانياً والتسبيح ثانياً دليلاً على حذفه أولاً، وسر ذلك أنه ذكر أقبح ما لأعدائه وأحسن ما لأوليائه.
ولما ذكر بعض آيات السماء لشرفها، ولأن بعضها عبد، ومن آثار الإلهية، فذكر دلالتها على وحدانيته اللازم منه إبطال عبادتها، أتبعه بعض آيات الأرض بخلاف ما في يس، فإن السياق هناك للبعث ةآيات الأرض أدل فقال :( ومن آياته ) أي الدالة على عظم شأنه وعلو سلطانه ) أنك ترى الأرض ) أي بعضها بحاسة البصر وبعضها بعين البصيرة قياساً على ما أبصرته، لأن الكل بالنسبة إلى القدرة على حد سواء.
ولما كان السياق للوحدانية، عبر بما هو أقرب إلى حال العابد ما مضى في الحج فقال :( خاشعة ) أي يابسة لا نبات فيها فهي بصورة الذليل الذي لا منعة عنده لأنه لا مانع من المشيء فبها لكونها متطأمنة بعد الساتر لوجهها بخلاف ما إذا كانت مهتزة رابية متزخرفة تختال بالنبات.
ولما كان إنزال الماء مما استأثر به سبحانه، فهو من أعظم الأدلة على عظمة الواحد، صرف القول إلى مظهر العظمة فقال :( فإذا أنزلنا ( بما لنا من القدرة التامة والعظمة ) عليها الماء ( من الغمام أو سقناه إليها من الأماكن العالية وجلبنا به إليه من الطين ما تصلح به للانبات وإن كانت سبخة كأرض مصر ) اهتزت ) أي تحركت حركة عظيمة كثير سريعة، فكانت كمن يعالج ذلك بنفسه ) وربت ) أي تشققت فارتفع ترابها وخرج منها النبات وسما في الجو مغطياً لوجهها، وتشعبت عروقه، وغلظت سوقه، فصار يمنع سلوكها على ما كان فيه من السهولة، وصار بحسن زيه بمنزلة عليها فطرها بمياه المعارف فظهرت فيها بركات الندم وعفا عن أربابها ما قصروا في صدق القدم وأشرقت بحلى الطاعات وزهت بملابس القربات، وزكت بأنواع التجليات.
ولما كان هذا دليلاً مشاهداً على القدرة على إيجاد المعدوم، وإعادة البالي المحطوم، أنتج ولا بد قوله مؤكداً لأجل ما هم في من الإنكار صارفاً القول عن مظهر


الصفحة التالية
Icon