صفحة رقم ٥٧٩
كان العامل لا يطمع في الإهمال إلى على تقدير خفاء الأعمال، والمعمول له لا يترك الجزاء إلا لجهل أو عجز، بين أنه سبحانه محيط العلم عالم بمثاقيل الذر فقال مرغباً مرهباً مؤكداً لأنهم يعملون عمل من يظن أن أعماله تخفى، عادلاً عن مظهر العظمة إلى ما هو أدل شيء على الفردانية، لئلا يظن ان مزيد العلم بواسطة كثيرة :( إنه ( وقجم أعمالهم تنبيهاً على الاهتمام بشأنها جداً فقال :( بما تعملون ) أي في كل وقت ) بصير ( بصراً وعلماً، فهو على كل شيء منكم قدير.
ولما جعل إليهم الاختيار في العمل تهديداً، أتبعه الإخبار بما لمن خالقه، فقال مؤكداً لإنكارهم مضامين ما دخل عليه التأكيد :( إن الذين كفروا ) أي ستروا مرائي العقول الدالة على الحق مكذبين ) بالذكر ( الذي لا ذكر في الحقيقة غيره ) لكتاب ) أي جامع لكل خير ) عزيز ) أي لا يوجد مثله فهو يغلب كل ذكر ولا يغلبه ذكر ولا يقرب من ذلك، ويعجز أصلاً عن إقعاد مناهض.

فصلت :( ٤٢ - ٤٥ ) لا يأتيه الباطل.....


) لاَّ يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ مَّا يُقَالُ لَكَ إِلاَّ مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِن قَبْلِكَ إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةَ وَذُو عِقَابٍ أَلِيمٍ وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآناً أعْجَمِيّاً لَّقَالُواْ لَوْلاَ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ ءَاعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُواْ هُدًى وَشِفَآءٌ وَالَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُوْلَئِكَ يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مُرِيبٍ ( ( )
ولما كان من معاني العزة أنه ممتنع بمتانة رصفه وجزاله نظمه وجلالة معانيه من أن يلحقه تغيير ما، بين ذلك بقوله :( لا يأتيه الباطل ) أي البين البطلان إيتان غلبة فيصير أو شيء منه باطلاً بيّنا، ولما كان المراد تعميم النفي، لا نفي العموم، أدخل الجار فقال :( من بين يديه ) أي من جهة الظاهر مثل ما أمر أخبر به عما كان قبله ) ولا من خلفه ( من جهة العلم الباطن مثل علم ما لم يشتهر من الكائن والآتي سواء كان حكماً أو خبراً لأنه في غاية الحقية والصدق، والحاصل أنه لا يأتيه من جهة من الجهات، لأن ما قدام اوضح يكون، وما خلف أخفى ما يكون، فما بين ذلك من باب الأولى، فالعبارة كنابة عن ذلك لأن صفة الله لا وراء لها ولا أمام على الحقيقة، ومثل ذلك ليس وراء الله مرمى، ولا دون الله منتهى، ونحوه مما تفهم العرب ومن علم لسانها المراد به دون لبس، ثم علل ذلك بقوله :( تنزيل ) أي بحسب التدريج لأجل


الصفحة التالية
Icon