صفحة رقم ٥٩١
والدلائل المعقولة عند اعتبار الأقوال والأفعال، وبما في بلاد العرب من الآيات المرئية من نفي بعد إسراعهم إليه وإطباقهم عليه وإثبات التوحيد عن جميعهم بعد إبعادهم عنه وقتالهم الداعي إليه، وقد بين سبحانه في هذه من آيات الآفاق في آية ) أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين ( وما شاكلها، وفي الأنفس في آيات ) فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود والذي من بعدهم ( ونحوها، وآيات ) لا يسئم الإنسان من دعاء الخير ( إلى آخرها الدالة على أن الإنسان مبني أمره على الجهل والعجز، فأكثر ما يتصوره ليس كما تصوره، فعليه أن يتأمل كتاب ربه ويتدبره - والله أعلم، قال الرازي في اللوامع : الاستدلال بالأفعال على فاعلها واضح وطريق لائح، والأفعال على قسمين أحدهما الآفاق وهو جملة العالم، والثاني النفوس، فإن تصرف التدبير وعلم صفاتها من أنها باقية بغير البدن لا يحتاج في قوامها عرف ربه وصفاته من وحدانيته وعلمه وقدرته وإرادته وتصرفه في جلمة العالم يعني وأن وجوده تعالى مباين وجود غيره.
ولما كان التقدير : ولا نزال نواتر ذلك شيئاً في أثر شيء، عطف عليه قوله :( حتى يتبين لهم ( غاية البيان بنفسه من غير إعمال فكر ) أنه ) أي القرآن ) الحق ( الكامل في الحقية الذي تطايقه الوقائع وتصادقه الأحوال العارضة والصنائع، فيجتعوا عليه ويُقبلوا بكل قلوبهم إليه، فلا يأباه في جزيرة العرب إنسان، ولا يختلف فيه منهم اثنان، ثم ينثون في أرجاء الأرض بطولها والعرض فيظهر بهم على سائر الأديان، ويبيد على أيديهم أهل الكفران، في سائر البلدان، ويزول كل طغيان، فيكون ظهورهم في هذا الوقت وضعف المؤمنين بعد أن كان سبباً لازدياهم من الكفر عظمة لهم ولكل من يأتي بعدهم يوجب الثبات في محال الزلزال علماً بأن الله أجرى عادته أن يكون للباطل ريح تخفق ثم تسكن، ودولة تظهر ثم تضمحل، وصولة تجول ثم تحول.
ولما كان هذا القول منبهاً على أن في الآفاق والأنفس من الآيات المرئية التي يقرأها أولو الأبصار بالبصائر، ويتأملها بأعين السرائر، أمراً لا يحيط به الوصف، فكان حادياً على تجريد الأفكار للنظر والاعتبار، والوقوف على بعض ما في ذلك من لطائف الأسرار، كان كأنه قيل : ألم يروا بعقولهم ما في ذلك من الأدلة على أن القرآن من عند الله فيكفيهم عن شهادة شيء خارج عن أنفسهم، عطف عيله قوله :( أو لم يكف ( وأكد بإدخال الجار، وحقق الفاعل فقال مؤكداً بالباء ومحققاً أنه الفاعل


الصفحة التالية
Icon