صفحة رقم ٥٩٧
الذي أخبرك به ربك صريحاً أول ( فصلت ) من أن الإله إله واحد وآخرها من أنه ما يقال لك غلا ما قد قيل للرسل من قبلك، ومن أنه يجمع أمتك على هذا الدين بما يتبين لهم أن هذا القرآن هو الحق بما يريهم من الآيات البينات والدلالات الواضحات في الآفاق وفي أنفسهم وبشهادته سبحانه باعجاز القرآن لجميع الإنس والجان ولا سيما إذا أقدم ضال على معارضته كمسيلمة فإنه يتبين لهم الأمر بذلك غاية البيان ( وبضدها تتبين الأشياء ) ورمز لك به سبحانه تلويحاً اول هذه السورة بهذه الأحرف المقطعة التي هي أعلى واغلى من الجواهر المرصعة - إلى مثل ذلك، فهما نوعان من الوحي : صريح وعبارة، وتلويح وإشارة.
ولما كان المقصود الإفهام لأن الإيحاء منه سبحانه عادة مستمرة إلى جميع أنبيائه ورسله والبشارة له ( ﷺ ) بتجديده له، مدة حياته تثبيتاً لفؤاده، ودلالة على دوام وداده، عبر بالمضارع الدال على التجدد والاستمرار، وتقدم في أول البقرة نقلاً عن أبي حيان ومن قبله الزمخشري وغيره أنه قد لا يلاحظ منه زمن معين، بل يراد مطلق الوجود فقال :( يوحة إليك ) أي سابقاً ولاحقاً ما دمت حياً لا يقطع ذلك عنك أصلاً توديعاً ولا قلى بما يريد من أمره مما يعلى لك مقدارك، وينشر أنوارك ويعلي منارك.
ولما كان الاهتمام بالوحي لمعرفة أنه حق - كما أشارت إليه قراءة ابن كثير بالبناء للمفعول - والموحي إليه لمعرفة أنه رسول حقاً وكان المراد بالمضارع مجرد إيقاع مدلوله لا يفيد الاستقبال صح أن يتعلق به قوله مقدماً على الفاعل :( وإلى الذين ( والقائم مقام الفاعل في قراءة ابم كثير ضمير يعود على ( كذلك ).
ولما كان الرسل بعض من تقدم في بعض أزمنة القبل، ادخل الجار فقال :( من قبلك ) أي من الرسل الكرام والأنبياء الأعلام، بأن أمتك أكثر الأمم وأنك أشرف الأنبياء، وأخذ كل منهم العهد باتباعك، وأن يكون من أنصارك وأشياعك.
ولما قدم ما هو الأهم من الوحي والموحى إليه، أتى بفاعل ) يوحي ( في قراءة العامة فقال :( الله ) أي الذي له الإحاطة بأوصاف الكمال..
وهو مرفوع عند ابن كثير بفعل مضمر تقديره الذي يوحيه.
ولما كان نفوذ الأمر دائراً على العزة والحكمة قال :( العزيز ) أي الذي يغلب كل شيء ولا يغلبه شيء ) الحكيم ( الذي يضع ما يصنعه في أتقن محاله، فلأجل ذلك لا يقدر على نقض ما أبرمه، ولا نقص ما أحكمه.
وقال الإمام أبو جعفر بن الزبير : لما تضمنت سورة غافر ما تقدم من بيان حالي المعاندين والجاحدين، وأعقبت بسورة السجدة بياناً أن حال كفار العرب في ذلك كحال من تقدمه وإيضاحاً لأنه الكتاب العزيز وعظيم الكتاب العزيز وعظيم برهانه، ومع ذلك فلم يجد على من


الصفحة التالية
Icon