صفحة رقم ٦٠٦
ولما ذكر سبحانه ما شق العدم بإيجاده من غير سبب أصلاً، أتبعه ما سببه عن ذلك فأنشأه من العناصر التي أبدعتها يد القدرة في الخافقين، فقال معبراً بالفعلية تذكيراً بما يوجب لهم الاعتراف بما اعترف به نبيه ( ﷺ ) من أنه وحده ربه لا شريك له في ذلك، فيوجب التوكل عليه وحده :( جعل لكم ) أي بعد أن خلقكم من الأرض ) من أنفسكم أزواجاً ( يكون بالسكون إليها بقاء نوعكم، ولما كانت الأنعام ومنافعها لأجلنا قال :( ومن ) أي وجعل لكم من ) الأنعام ( الي هي أموالكم وجمالكم وبها أعظم قوامكم ) أزواجاً ) أي من انفسها، يكون بها أيضاً بقاء نوعها، وكذا جميع الحيوانات، ومعنى قوله مغلباً العقلاء :( يذرؤكم ) أي يخلقكم ويكثركم ولما كان الأزواج في غاية المحبة للزواج بحيث إنه مستول على القلوب، كان كأنه محيط بهم فقال :( فيه ) أي في ذلك التزاوج بحيث يجعلكم مولعين به، من قوله ذراه : خلقه وكثره وأولعه بالشيء، فيكون لكم في الأزواج من البشر نطفاً وجمالاً وولادة، وفي الأنعام غذاء وشراباً واكلاً، وغير ذلك مما لكم فيه من المنافع، ولا تزالون في هذا الوجه والتزاوج نسلاً بعد نسل وجيلاً بعد جيل.
ولما تقرر في الأوهام وثبت في كثير من الأذهان أنه لا يكون شيء إلا بسبب التزواج، كان ربما سرى شيء من هذا الوهم في حق الخالق سبحانه فنفاه على أبلغ وجه بقوله : استئنافاً في جواب من يسأل عنه :( ليس ( وقدم الخبر لأن المراد نفيه فأولاه النافي دلالة على شدة العناية بنفسه فقال :( كمثله ) أي مثل نفسه في ذاته ولا في شيء من صفاته :( شيء ( يزاوجه أو يناسبه، وكل ما اتخذتموه ولياً من دونه، فله ما يزاوجه ويماثله، فالمراد بالمثل هنا النفس وهو أصله وحقيقته في اللغة من قولهم : مثل الرجل يمثل - إذا قام وانتصب، قال الإمام عبد الحق الإشبيلي في كتابه الواعي : و المثل يكون هو الحديث نفسه
٧٧ ( ) مثل الجنة التي وعد المتقون ( ) ٧
[ الرعد : ٣٥ ] فمثلها هو الخبر عنها، وقيل : المثل ههنا الصفة
٧٧ ( ) ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم ( ) ٧
[ البقرة : ٢١٤ ] أي صفتهم، نقل ذلك الهروي ونقل عن أبي عبد الله القزاز قوله :
٧٧ ( ) ضرب مثل فاستمعوا له ( ) ٧
[ الحج : ٧٣ ] كذلك، لأنه قال :( إن الذي تدعون ( الآية فصار الخبر عن ذلك هو المثل، قال : وهو على أصل ما ذكرنا أن مثل الشيء صفته وصورته، وروي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قرأ ) مثال ( وقرأ ) أمثال الجنة التي وعد المتقون ( ثم قال : وهذا كله يدل على أن معنى ) مثل ( صفة صورة، قال أبو عبد الله : مثلت له الشيء تمثيلاً : صورته له حتى كأنه ينظر إليه، وفي الحديث :( مثلت