صفحة رقم ٦٠٩
من السماء والأرض ( ) ٧
[ الأعراف : ٩٦ ] ) ولو أن أهل الكتاب آمنوا واتقوا لكفرنا عنهم سيئاتهم ولأدخلناهم جنات النعيم (
٧٧ ( ) ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل ( ) ٧
[ الآية ٦٦ : المائدة ].
ولما كان كأنه قيل : لم فعل ذلك ؟ علله بقوله مؤكداً لأن أعمال غالب الناس في المعاصي عمل من يظن أنه سبحانه يخفى عليه عمله :( إنه بكل شيء عليم ( فلا فعل له إلا وهو جار على أتقن ما يكون من قوانين الحكمة، فلو أنه وسع العرب وقواهم ثم أباحهم ملك أهل فارس والروم لقبل بقوتهم ومكنتهم، وله في كل شيء دق أو جل من الحكم ما يعجز عن إدراك لطائفة افاضل الأمم.
ولما ثبت أن له كل شيء وأنه لا متصرف في الوجود سواه، أنتج ذلك أنه لا ناهج لطرق الأديان التي هي أعظم الرزق وأعظم قاسمة للرزق غيره، فأعلمهم أنه لم يشرع ديناً قديماً وحديثاً غير ما اتفقوا عليه وقت الشدائد.
فقال دالاً على ما ختم به الآية التي قبلها من شمول علمه ومرغباً في لزوم ما هدى إليه ودل عليه :( شرع ) أي طرق وسن طريقاً ظاهراً بيناً واضحاً ) لكم ( أيتها الأمة الخاتمة من الطرق الظاهرة المستقيمة ) من الدين ( وهو ما يعمل فيجازي عليه.
ولما كان السياق للدين، وكانوا هم المقصودين في هذا السياق بالأمر به، لأن الشارع لهم قد أنتجه، وكانوا لتقليدهم الآباء يرون أن ما كان منه أقدم كان أعظم وأحكم، ذكر لهم أول الآباء المرسلين إلى المخالفين فقال :( ما ) أي الذي ) وصى به ( توصية عظيمة بعد إعلامه بانه شرعه ) نوحاً ( في الزمان الأقدم كما ختم به على لسان الخاتم، وأرسل به من توسط بينهما من الأنبياء المشاهير لأنه لا يرضيه سواه، فإن كنتم إنما تأنفون من الدخول في هذا الدين لحدوثه فإنه أقدم الأديان وكل ما سواه حادث مع أنه ما بعث نبياً من أنبيائكم ولا من غيرهم إلا به ومع أنه توفرت على الشهادة به الفطر الأولى دائماً والفطر اللاحقة حتى من القلوب العاتية في أوقات الشدائد أبداً فأدخلوا فيه على بصيرة.
ولما كان الإعجاز خاصاً بنا، أبرزه في مظهر العظمة معبراً بالوحي، وبالأصل في الموصلات، ودالاً على زيادة عظمته بتقديمه على من كانوا قبله مع ترتيبهم عند ذكرهم على ترتيبهم في الوجود فقال :( والذي أوحينا إليك ( وأفرد الضمير زيادة في عظمته دلالة على أنه لا يفهمه حق فهمه غيره ( ﷺ )، ودل على عظمه ما كان لإبراهيم وبنيه بما ظهر من آثاره بمظهر العظمة، وعلى نقصه عما إلى نبينا ( ﷺ ) بالتعبير بالوصية فقال :( وما وصينا ) أي على ما لنا من العظمة الباهرة التي ظهرت بها تلك المعجزات ) به إبراهيم ( الذي نجيناه من كيد نمرود بالنار وغيرها ووهبنا له على الكبر إسماعيل وإسحاق، وهو


الصفحة التالية
Icon