صفحة رقم ٦١٦
خصوا بمزيد عطف وبر، فأين هذا مما لو قيل ) لدى عليم قدير ( فإنه يفهم أن دحوضها لا يدركه إلا بليغ العلم تام القدرة، وهو مع ذلك غريب فيصير فيه نوع مدح لحجتهم في الجملة :( عند ربهم ) أي المحسن إليهم بإفاضة العقل الذي جعلهم به في أحسن تقويم، فمهما جردوه عن الهوى، دلهم على أن جميع ما كانوا فيه باطل، وفيه إشارة إلى أن أدنى ما يعذبهم به قطع إحسانه عنهم، وأنه يظهر بطلان ما سموه حجة لكل عاقل فيورثهم الخزي في الدنيا والعذاب في الأخرى على أن قطع إحسانه هو عند التأمل أعلى العذاب ) وعليهم ( زيادة على قطع الإحسان ) غضب ) أي عقوبة تليق بحالهم المذموم ووصفهم المذؤوم ومنه الطرد، فهم مطرودون عن بابه، مبعودون عن جنابه، مهانون بحجابه.
ولما أفهم التعبير ب ( على ) ذمهم باستعلاء النقم عليهم لم يشكل التعبير باللام، بل كان مفهماً التهكم والملام فقال :( ولهم ) أي مع ذلك ) عذاب شديد ( لا تصلون إلى إدراك حقيقة وصفه، والآية مشيرة إلى الانتصار على أهل الردة وضربهم بكل شدة لسوء منزلتهم عنده كما كشف عنه الحال عند ندب الصديق إليهم بالقتال رضي الله عنه وأرضاه.
الشورى :( ١٧ - ٢٠ ) الله الذي أنزل.....
) اللَّهُ الَّذِي أَنزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِهَا وَالَّذِينَ آمَنُواْ مُشْفِقُونَ مِنْهَا وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ أَلاَ إِنَّ الَّذِينَ يُمَارُونَ فَي السَّاعَةِ لَفِي ضَلاَلَ بَعِيدٍ اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَن يَشَآءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ ( ( )
ولما جزم سبحانه بما توعدهم بعد بعد أن حكم على حجتهم بالدحوض، وكان لا يجزم بالشيء إلا من كان نافذ الأمر محيط الحكم، نبه على أنه كذلك، مبيناً ما به يعرف ثبات الحجج ودحوضها المستلزم للغضب من الله المستعقب للعذاب، بقوله لافتاً القول إلى الاسم الأعظم تنبيهاً على عظمة المخبر عنه :( الله ) أي الذي له جميع الملك ) الملك ( وأشار بالتعبير بالإنزال إلى أن المراد جملة الكتاب الذي لا مطعن في شيء منه فقال :( انزل الكتاب ) أي أوجد إنزاله هو لا غيره ) بالحق ) أي متلبساً على أكمل الوجوه بالأمر الثابت الذي لا يبدل وبسبب العمل الحق العام للأقوال والأفعال والعقائد لتعرف الحجج الثابتة من غيرها.
ولما كان الكتاب آمراً بالعدل قالاً وحالاً، وكان من محسوسات أوامره التقدير بالمقادير الضابطة، قال مخصصاً معبراً بأقومها إشارة إلى أن الكتاب أعدل عدالة عند


الصفحة التالية
Icon