صفحة رقم ٦١٨
أنها الحق ( إعلاماً بأنهم على بصيرة من أمرها، فهم لا يستعجلون بها، فالآية من الاحتباك : ذكر الاستعجال أولاً دليلاً على حذف ضده ثانياً، والإشفاق ثانيا دليلاً عل حذف ضده اولاً.
قال ابن كثير : وقد روي من طرق تبلغ درجة التواتر في الصحاح والحسان والسنن والمسانيد أن رجلاً سأل رسول الله ( ﷺ ) بصوت جهوري وهو في بعض أسفاره فناداه : يا محمد، فقال له النبي ( ﷺ ) بنحو من صوته ( هاؤم ) فقال : متى الساعة ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه :( ويحك أنها كائنة فما أعددت لها ؟ ) فقال : حب الله ورسوله، فقال :( أنت مع من أحببت ).
قال ابن كثير : فقوله في الحديث ( المرء مع من أحب ) متواتر لا محالة، والغرض أنه لم يجبه عن وقت الساعة، بل أمره بالاستعداد لها - انتهى، وهو مشروط بالبراءة من أعداء الله بدليل قصة أبي طالب فإنه لم ينفعه حب الولي نفعاً تاماً بدون البراءة من العدو.
ولما أعلم بتعريف الحق أنها ثابتة كاملاً لا انقضاء له أصلاً ولا زوال لآثارها، أنتج قوله مؤكداً معظماً في مقابلة إنكارهم :( ألا إن الذين يمارون ) أي يظهرون شكهم في معرض اللجاجة لتسخرج ما عساه يكون فيها من اللبن ) في الساعة ) أي القيامة وما تحتوي عليه ) لفي ظلال ) أي ذهاب جائر عن الحق ) بعيد ( جداً عن الصواب، فإن لها من الأدلة الظاهرة في العقل المؤيد بجازم النقل ما ألحقها حال غيابها بالمحسوسات لو كشف الغطاء ما ازددت يقيناً.
ولما كان حاصل أمر الفريقين أنه أظهر خوف الكافرين في غاية الأمن وأبطن أمن المؤمنين في أزعج خوف، وكان هذا عين اللطف، فأنه الوصول إلى الشيء بضده، ويطلق على إيصال البر إلى الخلق على وجه يدق إدراكه، وكان أكثر ما يبطئ بالإنسان في أمر الدين اهتمامه بالرزق، أنتج ذلك قوله :( الله ) أي الذي له الأمر كله فهو يفعل ما يريد ) لطيف ) أي بالغ في العالم وإيقاع الإحسان بإيصال المنافع، وصرف المضار على وجه يلطف إدراكه، قال القشيري : اللطيف العالم بدقائق الأمور وغوامضها وهو الملطف المحسن وكلاهما في صفته سبحانه صحيح، وأكثر ما يستعمل اللطف في وصفه بالإحسان في الأمور الدينية، وقال الرازي في اللوامع : هو اسم مركب من علم


الصفحة التالية
Icon