صفحة رقم ٦٢٩
ويفسدهم والقدرة على كل بذل ومنع، عبر بالاسم الأعظم فقال :( الله ) أي الملك الأعظم الجامع لجميع صفات الكمال تنبيهاً على عظمة هذا المقام :( الرزق ( لهم - هكذا كان الأصل، لكنه كره أن يظن خصوصيته ذلك بالتائبين فقيل :( لعباده ) أي كلهم التائب منهم وغيره بأن أعطاهم فوق حاجتهم ) لبغوا في الأرض ) أي لصاروا يريدون كل ما يشتهونه، فإن لم يفعل سعوا في إنفاذه كالملوك بما لهم من المكنة بكل طريق يوصلهم إليه فيكثر القتل والسلب والنهب والضرب ونحو ذلك من أنواع الفساد، وقد تقدم في النحل من الكلام على البغي ما يتقن به علم هذا المكان.
ولما كان معنى أنه سبحانه لا يبسط ذلك بحسب ما يريدونه، بني عليه قوله سبحانه :( ولكن ينزِّل ) أي لعباده من الرزق ) بقدر ) أي بتقدير لهم جملة ولكل واحد منهم لا يزيد غن تقدير دره ولا ينقصها ) ما يشاء ( من الماء الذي هو أصل الرزق والبركات التي يدبر بها عباده كما اقتضته حكمته التي بنى عليها أحوال هذه الدرر.
ولما كان أكثر الناس يقول في نفسه : لو بسط إليّ الرزق لعملت الخير، وتجنبت الشر، وأصلحت غاية الإصلاح، قال معللاً ما أخبر به في أسلوب التأكيد :( إنه ( وكان الأصل : بهم، ولكنه قال :( بعباده ( لئلا يظن أن الأمر خاص بمن وسع عليهم أو ضيق عليهم :( خبير بصير ( يعلم جميع ظواهر أمورهم وحركاتهم وانتقالاتهم وكلامهم وبواطنها فيقيم كل واحد فيما يصلح له من فساد وصلاح وبغي وعدل، ويهيئ لكل شيء من ذلك أسبابه.
ولما ذكر إنزال الرزق على هذ المنوال، وكان من الناس ممن خذله الإضلال من يقول : إن ما الناس فيه من المطر والنبات وإخراج الأقوات إنما هو عادة للدهر بين أنه سبحانه هو الفاعل لذلك بقدرته واختياره بما هو كالشمس من أنه قد يحبس المطر عن إبانه وإعادته في وقته وأوانه، حتى ييأس الناس منه ثم ينزل إن شاء، فقال معبراً بالضمير الذي هو غيب لأجل أن إنزال الغيث من مفاتيح الغيب :( وهو ) أي لا غيره قادر على ذلك فإنه هو ) الذي ينزل الغيث ) أي المطر الي يغاث به الناس أي يجابون إلى ما سألوا ويغاثون ظاهراً كما ينزل الوحي الذي يغاثون به ظاهراً وباطناً.
ولما كان الإنزال لا يستغرق زمان القنوط، أدخل الجار فقال :( من بعد ما قنطوا ) أي يئسوا من إنزاله وعملوا انه لا يقدر على إنزاله غيلاه، ولا يقصد فيه سواه، ليكون ذلك أدعى لهم إلى الشكر وينشره - هكذا كان الأصل ولكنه لما بين أنه غيث قال بياناً ذلك أدعى لهم إلى الشكر وينشره - وهكذا كان الأصل ولكنه لما بين أنه غيث قال بياناً لأنه رحمةً، وتعميماً لأثره من النبات وغيره :( وينشر رحمته ) أي على السهل والجبل فينزل من السحاب المحمول بالريح من الماء ما يملأ الأرض بحيث لو اجتمع


الصفحة التالية
Icon