صفحة رقم ٦٣٩
الكمال الاتحاد في الأفعال، فقال معبراً بالاسمية حثاً على أن جعلوا ذلك لهم خلقاً ثابتاً لا ينفك :( وأمرهم ) أي كل ما ينوبهم مما يحوجهم إلى تدبير ) شورى ) أي يتشاورون فيه مشاورة عظيمة مبالغين مما لهم من قوة الباطن وصفائه في الإخلاص والنصح، من الشور وهو العرض والإظهار ) بينهم ) أي بحيث إنهم لا فرق في حال المشاورة بين كبير منهم وصغير بل كل منهم وصغير بل كل منها يصغي إلى الآخر وينظر في حصته وسقمه بتنزيله على أصول الشرع وفروعه، فلا يستبدل أحد منهم برأي لدوام اتهامه لرأيه لتحققه نقصه بما له من غزارة العلم وصفاء الفهم ولا يعجلون في شيء بل صار التأبي لهم خلقاً، وسوق المشورة هذا السياق دال على عظيم جدواها وجلالة نفعها قال الحسن رحمه الله : ما تساور قوم إلا هدوا لأرشد أمرهم - على أنه روى الطبراني في الصغير والأوسط لكن بسند ضعيف عن أنس رضي الله عنه أن النبي ( ﷺ ) قال :( ما خاب من استخار ولا ندم من استشار ولا عال من اقتصد ) وروى في الأوسط عن ابن عباس رضي الله عنه أن النبي ( ﷺ ) قال :( من أراد أمراً فشاور فيه أمرأ مسلماً وفقه الله لأرشد أمره ).
ولما كانت المواساة بالأموال بعد الاتحاد في الأقوال والافتاق في الأفعال أعظم جامع على محاسن الخلال، واظهر دال على ما ادعى من الاتحاد في الحال والمال قال مسهلاً عليهم أمرها بأنه لا مدخل لهم في الحقيقة في تحصيلها راضياً منهم باليسير منها :( ومما ( ولفت القول إلى مظهر العظمة تذكيراً بما يتعارفونه بينهم من أنه لا مطمع في التقرب من العظماء إلا بالهدايا فقال :( رزقناهم ) أي بعظمتنا من غير حول منهم ولا قوة ) ينفقون ) أي يديمون الإنفاق كرماً منهم وإن قل ما بأيديهم اعتماداً على فضل الله سبحانه وتعالى لا يقبضون أيديهم كالمنافقين، وذلك الإنفاق على حسب ما حددناه لهم فواسوا بالمشورة في فضل عقولهم وبالإنفاق في فضل أموالهم تقوى منهم ومراقبة الله لا شهوة نفس.
ولما كان في العقوبة مصلحة ومفسدة فندب سبحانه غلى المغفرة تقديماً لدرء المفسدة لأن الإنسان لعدم علمه بالقلوب لا يصح له بوجه أن يعاقب بمجرد الغضب


الصفحة التالية
Icon