صفحة رقم ٦٤٩
التدبيرات الإلهية، وترمي به في مهاوي الأسباب الدنيوية، فيقع المسلم مع إسلامه في مضاهاة الكفار في كراهة البنات وفي وادي الوأد بتضييعهن أو التقصير في حقوقهن وتنبيهاً على أن الأنثى نعمة، وأن نعمتها لا تنقص عن نعمة الذكر وربما زادت، وإيقاظاً من سنة الغفلة على أن التقديم وإن كان لما قدمته لا يقدم تأنيساً وتوصية لهن واهتماماً بأمرهن، نقل ابن مليق عن ابن عطية عن الثعلبي أن واثلة بن الأسقع رضي الله عنه قال : من يمن المرأة تبكيرها بالأنثى قبل الذكر لأن الله تعالى بدأ بالإناث، ولذلك رغب النبي ( ﷺ ) في الإحسان إليهن في أحاديث كثيرة ورتب على ذلك أجراً كبيراً ولأجل تضمين الهبة مع الخلق عداها باللام مع أن فعلها متعد بنفسه إلى مفعولين لئلا يتوهم أن الولد كان لغير الوالد ووهبه الله له.
ولما كان الذكر حاضراً في الذهن لشرفه وميل النفس إليه لا سيما وقد ذكر به ذكر الإناث، عرف لذلك وجبراً لما فوته من التقديم في الذكر تنبهاً على انه ما أخر إلا لما ذكر من المعنى فقال :( ويهب لمن يشاء الذكور ) أي فقط ليس بينهن أنثى كما صنع لإبراهيم عليه السلام وهو عم لوط عليه السلام.
ولما فرغ من القسمين الأولين عطف عليهما قسيماً لهما ودل على أنه قسم بأو فقال :( أو يزوجهم ) أي الأولاء بجعلهم ازواجاً لأأي صنفين حال كونهم ) ذكراناً وإناثاً ( مجتمعين في بطن ومنفردين كما منح محمداً ( ﷺ )، ورتبها هنا على الأصل تنبيهاً على أنه ما فعل غير ذلك فيما مضى إلا لنكت جليلة فيجب تطلبها، وعبر في الذكر بما هو ابلغ في الكثرة ترغيباً في سؤاله، والخضوع لديه رجاء نواله.
ولما فرغ من أقسام الموهوبين الثلاثة، عطف على الإنعام بالهبة سلب ذلك، فقال موضع أن يقال مثلاً : ولا يهب شيئاً من ذلك لمن يشاء :( ويجعل من يشاء عقيماً ) أي لا يولد له كيحيى بن زكريا عليهما الصلاة والسلام - كذا قالوه، والظاهر أنه لا يصح مثالاً فإنه لم يتزوج، قال ابن ميلق، وأصل العقيم اليبس المانع من قابلية التأثر لما من شأنه أن يؤثر، والداء العقام هو الذي لا يقبل البرء - انتهى.
فهذا الذي ذكر أصرح في المراد لأجل ذكر العقم، وأدل على القدرة لأن شامل لمن له قوة الجماع والإنزال لئلا يظن أن عدم الولد لعدم تعاطي أسبابه، وذكروا في هذا القسم عيسى عليه السلاة والسلام.
ولا يصح لأنه ورد أنه يتزوج بعد نزوله ويوله له، وهذه القسمة الرباعية في الأصول كالقسمة الرباعية في الفروع، بعضهم لا من ذكر ولا أنثى كآدم عليه الصلاة والسلام، وبعضهم من ذكر فقط كحواء عليها السلام، وبعضهم من أنثى فقط كعيسى عليه السلام وبعضهم من ذكر وأنثى وهو أغلب الناس، فتمت الدلالة على أنه ما شاء


الصفحة التالية
Icon