صفحة رقم ٦٥٥
كانت في ظلمات العدم، وأفاض عليها أنوار المعارف بعد أن كانت في ظلمات الجهالة، فلا ظهور لشيء من الأشياء إلا بإظهاره، وخاصة النور إعطاء الإظهار والتجلي والانكشاف، وعند هذا يظهر أن النور المطلق هو الله سبحانه وإن إطلاق النور على غيره مجاز، وكل ما سوى الله من حيث هو هو ظلمة محضة لأنه من حيث هي هي ممكنات، والممكن من حيث هو هو معدوم، والمعدوم مظلم، فالنور إذا نظر من حيث هو ممكن مظلم، فأما إذا التفت إليها من حيث أن الحق سبحانه افاض عليها نور بنور، وأضاف النور إلى الخافقين في قوله ) نور السماوات والأرض ( لأنهما مشحونتان بالأنوار العقلية والأنوار الحسية، أما الحسية فما نشاهده في السماوات من الكواكب وغيرها، وفي الأرض من الأشعة المنسبطة على سطوح الأجسام حتى ظهرت بها الأكوان المختلفة، ولولاها لما كان للألوان ظهور بل وجود، وأما الأنوار العقلية فلعالم الأعلى مشحون بها وهي جواهر الملائكة، والعالم الأدنى مشحون بها وهي القوى النباتية والحيوانية والإنسانية، والنور الإنساني السفلي ظهر نظام العالم بأسره كما أنه بالنور الملكي ظهر نظام العالم العلوي، وإذا عرفت هذا عرفت أن العالم بأسره مشحون بالأنوار البصرية الظاهرة والعقلية الباطنة، ثم عرفت أن السفلية فائضة بعضها من بعض وإن بينها ترتيباً في الغايات، ثم ترتقي جملتها إلى نور الأنوار ومعدنها ومنبعها الأول، وذلك هو الله وحده لا شريك له، فإذا الكل نوره، ثم قال : قال الإمام الغزالي : قد بن أن القوة المدركة أنوار.
ومراتب القوة المدركة الإنسانية خمسة، أحدهما القوة الحساسة وهي التي تلتقي ما تورده الحواس الخمس، وكأنها اصل الروح الحواني إذ بها يصير الحيوان حيواناً، وهي موجودة للصبي والرضيع وثانيها القوة الخيالية وهي التي تسبب ما أوردته الحواس وتحفظه مخزوناً عندها لتعرضه عن القوة العقلية عند الحاجة إليه، وثالثهما القوة العقلية المدركة للحقائق الكلية، ورابعهما القوة الفكرية وهي التي تأخذ المعارف العقلية فتؤلفها تأليفاً تستنتج منه علماً بالمجهول، وخامسها القوة القدسية التي يختص بها الأنباء وبعض الأولياء، وتنجلي فيها لوائح الغيب وأسرار الملكوت، إليه إشار قوله ) وكذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا ( الآية، وإذا عرفت هذه القوى فهي بجملتها أنوار إذ بها تظهر أصناف الموجودات، وهذه المراتب الخمس يمكن تشبيهها