صفحة رقم ٦٥٧
عليه قوله تعالى :( وإنك لتهدي ) أي تبين وترسد، وأكده لإنكارهم ذلك ) إلى صراط ) أي طريق واضح جداً، وإن عانيت في البيان مشقة بنفسك وبالوسائط بما أفادته التعدية ب ( إلى ) فيفهم من ذلك أنه يهدي للصراط بدون ذلك من العناية لمن يسر الله أمره ويهدي الصراط لمن هو أعظم توفيقاً من ذلك ) مستقيم ) أي شديد التقوم لأنه كأنه يريد أن يقوم نفسه فهو بعد وجود تقومه حافظ لها من أدنى خلل، وهو كل ما دعا إليه من خصال هذا الدين الحنيف الذي هو ملة إبراهيم عليه الصلاة والسلام، ثم أبدل منه تعظيماً لشأنه قوله بدل كل معرفة من نكرة لافتاً القول من مظهر والنقمة ترغيباً وترهيباً :( صراط الله ) أي الملك الأعظم الجامع لصفات الكمال، ثم وصفه بأنه مالك لما افتتح هذا الكلام بأن له ملكه فقال :( الذي له ( ملك ) ما في السماوات ) أي هو جميع السماوات التي هي في عرشه والأرض لأنها في السموات وما في ذلك من المعاني والأعيان ) وما في الأرض (.
ولما أخبر سبحانه أنه المخترع لجميع الأشياء والمالك لعالمي الغيب والشهادة والخلق والأمر وأنه المتفرد بالعظمة كلها، وكان مركوزاً في العقول مغروزاً في الفطر أن من ابتدأ شيئاً وليس له كفوء قادر على إعادته وأن يكون مرجع أمره كله إليه، فلذلك كانت نتيجة جميع ما مضى على سبيل المناداة على المنكرين لذلك وعداً ووعيداً لأهل الطاعة والمعصية بناء على ما تقديره : كيف يكون له ما ذكر على سبيل الدوام ونحن نرى لغيره أشياء كثيرة تضاف إليه ويوقف تصريفها والتصرف فيها عليه :( إلا إلى الله ) أي المحيط بجميع صفات الكمال الذي تعالى عن مثل أو مدان وهو الكبير المتعالي، لا إلى أحد غيره ) تصبر ) أي على الدوام وإن كانت في الظاهر في ملك غيره بحيث يظن الجاهل أن ملكها مستقر له، قال أبو حيان : أخبر بالمضارع والمراد به الديمومة كقوله : زيد يعطي ويمنع أي من شأنه ذلك ولا يراد به حقيقة المستقبل :( الأمور ) أي كلها من الخلق والأمر معنىّ وحساً خفياً في الدنيا بما نصب من الحكام وجعل بين الناس من الأسباب، وجلياً فيما وراءها حيث قطع ذلك جميعه وحده العزيز الحكيم العلي العظيم، فقد رجع آخر السورة على اولها، وانعطف مفصلها على موصلها، واتصل من حيث كونه في الوحي الهادي في أول الزخرف على أتم عادة لهذا الكتاب المنير من اتصال الخواتم فيه بالبوادي والروائح بالغوادي - والله أعلم بالصواب.
....


الصفحة التالية
Icon