صفحة رقم ٦٩
عن الصغو إلى الكافرين والمنافقين، واتباعه ما يوحي إليه، تنزيهاً لقدره عن محنهة من سبق له الامتحان ممن قدم ذكره في سورة السجدة، وأمراً له بالتسليم لخالقه والتوكل عليه ( والله يقول الحق وهو يهدي السبيل ) ولما تحصل من السورتين من الإشارة إلى السوابق
٧٧ ( ) ولو شئنا لأتينا كل نفس هداها ( ) ٧
[ السجدة : ١٣ ] كان ذلك مظنة لتأنيس نبي الله ( ﷺ ) وصالحي أتباعه، ولهذا أعقب سورة السجدة بهذه السورة المضمنة من التأنيس والبشارة ما يجري على العهود من لطفه تعالى وسعة رحمته، فافتتح سبحانه السورة بخطاب نبيه ( ﷺ ) بالتقوى، وإعلامه بما قد أعطاه قبل من سلوك سبيل النجاة وإن ورد على طريقة الأمر ليشعره باستقامة سبيله، وإيضاح دليله، وخاطبه بلفظ النبوة لأنه أمر عقب تخويف وإنذار وإن كان عليه السلام قد نزه الله قدره على أن يكون منه خلاف التقوى، وعصمه من كل ما ينافر نزاهة حاله وعلى منصبه، ولطن طريقة خطابه تعالى للعباد أنه تعالى متى جرد ذكرهم للمدح من غير أمر ولا نهي فهو موضع ذكرهم بالأخص الأمدح عن محمود صفاتهم، ومنه
٧٧ ( ) محمد رسول الله والذين معه ( ) ٧
[ الفتح : ٢٩ ] - الآيات، فذكر ( ﷺ ) باسم الرسالة، ومهما كان الأمر والنهي، عدل في الغالب إلى الأعم، ومنه ) يا أيها النبي اتق الله (
٧٧ ( ) يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال ( ) ٧
٧٧ ( ) يا أيها النبي إذا طلقتم النساء ( ) ٧
[ الطلاق : ١ ]
٧٧ ( ) يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك ( ) ٧
[ التحريم : ١ ]
٧٧ ( ) يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين ( ) ٧
[ التوبة : ٧٣ ]
٧٧ ( ) يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات ( ) ٧
[ الممتحنة : ١٢ ] وقد تبين في غير هذا، وأن ما ورد على خلاف هذا القانون فلسبب خاص استدعى العدول عن المطرد كقوله :
٧٧ ( ) يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك ( ) ٧
فوجه هذا أن قوله سبحانه ) وإن لم تفعل فما بلغت رسالته ( موقعه شديد، فعدول بذكره ( ﷺ ) باسم الرسالة لضرب من التلطف، فهو من باب
٧٧ ( ) عفا الله عنك لم أذنت لهم ( ) ٧
[ التوبة : ٤٣ ] وفيه بعض غموض، وأيضاً فإنه لما قيل له ( بلغ ) طابق هذا ذكره بالرسالة، فإن المبلغ رسول، والرسول مبلغ، ولا يلزم النبي أن يبلغ إلا أن يرسل، وأما قوله تعالى :
٧٧ ( ) يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر ( ) ٧
[ المائدة : ٤١ ] فأمره وإن كان نهياً أوضح من الأول، لأنه تسلية له عليه السلام وتأنيس وأمر بالصبر والرفق بنفسه، فبابه راجع إلى ما يرد مدحاً مجرداً عن الطلب، وعلى ما أشير إليه يخرج ما ورد من هذا.
ولما افتتحت هذه السورة بما حاصله ما قدمناه من إعلامه عليه السلام من هذا الأمر بعلي حاله ومزية قدره، ناسب ذلك ما احتوت عليه السورة من باب التنزيه في مواضع منها إعلامه تعالى بأن أزواج نبيه ( ﷺ ) أمهات للمؤمنين فنزهن عن أن يكون