صفحة رقم ٧٤
يدل على النقص في حقنا، وعلى الكمال في حقه، ودل على التنزيه بالإشارة ليبين فهم الفهماء وعلم العلماء ) وهو ) أي وحده من حيث قوله الحق ) يهدي السبيل ) أي الكامل الذي من شأنه أن يوصل إلى المطلوب إن ضل أحد في فعل أو قول، فلا تعولوا على سواء ولا تلتفتوا أصلاً إلى غيره.
ولما كان كأنه قيل : فما تقول ؟ اهدنا إلى سبيل الحق في ذلك، أرشد إلى أمر التبني إشارة إلى أنه هو المقصود في هذه السورة لما يأتي بعد من آثاره التي هي المقصودة بالذات بقوله :( ادعوهم ) أي الأدعياء ) لآبائهم ) أي إن علموا ولداً قالوا : زيد بن حارثة ؛ ثم علله بقوله :( هو ) أي هذا الدعاء ) أقسط ) أي أقرب إلى العدل من التبني وإن كان إنما هو لمزيد الشفقة على المتبني والإحسان إليه ) عند الله ) أي الجامع لجميع صفات الكمال، فلا ينبغي أن يفعل في ملكه إلا ما هو أقرب إلى الكمال، وفي هذا النسبة إلى ما مضى بعض التنفيس عنهم، وإشارة إلى أن ذلك التغليظ بالنسبة إلى مجموع القولين المتقدمين.
ولما كانوا قد يكونون مجهولين، تسبب عنه قوله :( فإن لم تعلموا آباءهم ( لجهل أصلي أو طارئ ) فإخوانكم في الدين ( إن كانوا دخلوا في دينكم ) وموالكيم ) أي أرقامكم مع بقاء الرق أو مع العتق على كلتا الحالتين، ولذا قالوا : سالم مولى أبي حذيفة.
ولما نزل هذا قال النبي ( ﷺ ) :( من ادعى إلى غير أبيه وهو يعلم فالجنة عليه حرام ) - أخرجه الشيخان عن سعد بن أبي وقاص وأبي بكرة رضي الله عنهما.
ولما كانت عادتهم الخوف مما سبق من أحوالهم على النهي لشدة ورعهم، أخبرهم أنه تعالى أسقط عنهم ذلك لكونه خطأ، وساقه على وجه يعم ما بعد النهي أيضاً فقال :( وليس عليكم جناح ) أي إثم وميل واعوجاج، وعبر بالظرف ليعيد أن الخطأ لا إثم فيه بوجه، ولو عبر بالباء لظن أن فيه لإثماً، ولكنه عفا عنه فقال :( فيما أخطأتم به ) أي من الدعاء بالنبوة والمظاهر أو في شيء قبل النهي أو بعده، ودل قوله :( ولكن ما ) أي الإثم فيما ) تعمدت قلوبكم ( على زوال الحرج أيضاً فيما وقع بعد النهي على سبيل النسيان أو سبق اللسان، ودل تأنيث الفعل على أنه لا يعتمده بعد البيان الشافي إلا قلب فيه رخاوة الأنوثة، ودل جمع الكثرة على عموم الإثم إن لم ينه المعتمد.
ولما كان هذا الكرم خاصاً بما تقدمه، عم سبحانه بقوله :( وكان الله ) أي لكونه لا أعظم منه ولا أكرم منه ) غفوراً رحيماً ) أي من صفته الستر البليغ على المذنب النائب، والهداية العظمية للضال الآئب، والإكرام بإيتاء الرغائب.


الصفحة التالية
Icon