صفحة رقم ٧٩
خيامهم، وأوهنت ببردها عظامهم، وأجالت خيلهم ) وجنوداً لم تروها ( يصح أن تكون الرؤوية بصرية وقلبية، منها من البشر بن مسعود نعيم الغطفاني رضي الله هنه هداه الله للإسلام، فأتى النبي ( ﷺ ) وقال : إنه لم يعلم أحد بإسلامي، فمرني يا رسول الله بأمرك فقال :( إنما أنت فينا رجل واحد والحرب خدعة، فخذل عنا مهما استطعت ) فأخلف بين اليهود وبين العرب بأن فال لليهود وكانوا أصحابه : إن هؤلاء - يعني العرب - إن رأوا فرصة انتهزوها وإلا بلادهم راجعين.
وليس حالكم كحالهم، البلد بلدكم وبه أموالكم ونساؤكم وأبناؤكم، فلا تقاتلوا معهم حتى تأخذوا منهم رهناً من أشرافهم ليكونوا عندكم حتى تناجزوا الرجل، فإنه ليس لكم بعد طاقة إذا انفرد بكم، فقالوا : أشرت بالرأي، فقال : فاكتموا عني، وقال لقريش : قد علمتم صحبتي لكم وفراقي لمحمد، وقد سمعت أمراً ما أظن أنكم تتهونني فيه، فقالوا : ما أنت عندنا بمتهم، قال : فاكتموا عني، قالوا : نفعل، قال : إن اليهود قد ندموا على نقض ما بينهم وبين محمد وأرسلوا إليه : إنا قد ندمنا فهل ينفعك عندك أن نأخذ لك من القوم جماعة من أشرافهم تضرب أعناقهم، ونكون معك على بقيتهم، حتى تفرغ منهم لتكف عنا.
وتعيد لنا الأمان، قال : نعم، فإن أرسلوا إليكم فى تدفعوا إليهم رجلاً واحداً، ثم أتى غطفان فقال : إنكم أصلي وعشيرتي وأحب الناس إليّ، قالوا : صدقت، ثم قال لهم مثل ما قال لقريش واستكتمهم، فأرسلت إليهم قريظة يطلبون منهم رهناً فقالوا : صدق نعيم، وأبوا أن يدفعوا إليهم أحداً، فقالت قريظة : صدق نعيم، فتخاذلوا واختلفت كلمتهم، فانكسرت شوكتهم، وبدرت حدتهم، ومنها من الملائكة جبرائيل عليه السلام ومن أراد الله منهم - على جميعهم أفضل الصلاة والسلام، والتحية والإكرام، فكبروا في نواحي عسكرهم، وزلزلوا بهم، وبثوا الرعب في قلوبهم، فماجت خيولهم، واضمحل قالهم وقيلهم، فكان في ذلك رحيلهم، بعد نحو أربعين يوماً أو بضع وعشرين - على ما قيل.
ولما أجمل سبحانه القصة على طولها في بعض هذه الآية، فصلها فقال ذاكراً الاسم الأعظم إشارة إلى أن ما وقع فيها كان معتنى به اعتناء من بذل جميع الجهد وإن كان الكل عليه سبحانه يسيراً :( وكان الله ( الذي له جميع صفات الكمال والجلال والجمال ) بما يعلمون ) أي الأحزاب من التحزب والتجمع والتألب والمكر والقصد


الصفحة التالية
Icon