صفحة رقم ٩٤
النبي ( ﷺ ) فلم يفارقه، وذب عنه ووقاه بيده حتى شلت إصبعه النبي ( ﷺ ) أنه ممن قضى نحبه، فالمراد بالنحب هنا العهد الذي هو كالنذر المفضي إلى الموت، وأصل النحب الاجتهاد في العمل، ومن هنا استعمل في النذر لأنه الحامل على ذلك ) ومنهم ) أي الصادقين ) من ينتظر ( قضاء النحب إما بالنصرة، أو الموت على الشهادة، أو مطلق المتابعة الكاملة.
ولما كان المنافقون ينكرون أن يكون أحد صادقاً فيما يظهر من الإيمان، أكد قوله تعريضاً بهم :( وما بدلوا تبدبيلاً ) أي وما أوقعوا شيئاً من تبديل بفرتة أو توان، فهذا تصريح بمدح أهل الصدق، وتلويح بذم أهل النفاق عكس ما تقدم، روى البخاري عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال : لما نسخنا الصحف بالمصاحف فقدت آية من سورة الأحزاب كنت كثيراً أسمع النبي ( ﷺ ) يقرأها، لم أجدها مع أحد إلا مع خزيمة الأنصاري - رضي الله عنه - الذي جعل رسول الله ( ﷺ ) شهادته شهادة رجلين ) من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه (.
وقوله :( نسخنا الصحف ) التي كانت عند حفصة رضي الله عنها بعد موت عمر رضي الله عنه ( في المصاحف ) التي أمر بها عثمان رضي الله عنه، وقوله :( لم أجدها ) أي مكتوبة بدليل حفظه لها، وهذا يدل على أنه لما نسخ المصاحف في عهد عثمان رضي الله عنه لم يقتنعوا بالصحف.
بل ضموا إليها ما هو مفرق عند الناس مما كتب بأمر رسول الله ( ﷺ ) وبحضرته كما فعلوا حين جمعوا الصحف على عهد أبي بكر رضي الله عنهم أجمعين.
ولما كان كأنه : قد فهم من سياق هذه القصة أن القصد الإقبال عليه سبحانه، وقطع جميع العلائق من غيره، لأنه قادر على كل شيء، فهو يكفي من أقبل عليه كل مهم وإن كان في غاية العجز، لأنه قادر على كل شيء، فهو يكفي من أقبل عليه كل بالاتفاق على كلمة السلام، لتحصل الراحة من هذا العناء كله، فأجيب بأن هذا لتظهر صفة العز والعظمة والعدل وغيرها ظهوراً تاماً إلى غير ذلك من حكم ينكشف عنها الحجاب، وترفع لتجليها غاية التجلي ستور الأسباب، فقال تعالى معلقاً بقوله :( جاءتكم جنود ( :( ليجزي الله ) أي الذي يريد إظهار جميع صفاته يوم البعث للخاص والعام ظهوراً تاماً ) الصادقين ( في ادعاء أنهم آمنوا به ) بصدقهم ( فيعلي أمرهم في الدنيا وينعمهم في الأخرى، فالصدق سبب وإن كان فضلاً منه لأنه الموفق له ) ويعذب المنافقين ( في الدارين بكذبهم في دعواهم الإيمان المقتضي لبيع النفس والمال ) إن