صفحة رقم ١٠٠
إليك بإرسالك وتكثير أمتك وحفظهم مما ضل به القرون الأولى وبيان يوم الفصل الذي هو محط الحكمة بياناً لم يبينه على لسان أحد ممن سلف ) يقضي بينهم ( بإحصاء الأعمال والجزاء عليها، لأن هذا مقتضى الحكمة والعزة ) يوم القيامة ( الذي ينكره قومك الذين شرفناهم برسالتك مع أنه لايجوز في الحكمة إنكاره ) فيما كانوا ) أي بما هو لهم كالجبلة ) فيه يختلفون ( بغاية الجهد متعمدين له بخلاف ما كان يقع منهم خطأ فإنه يجوز في الحكمة أن يتفضل عليهم بالعفو عنه فقد علم أنه لا يجوز في الحكمة أصلاً أن يترك المختلفون من غير حكم بينهم لأن هذا لا يرضاه أقل الملوك فإنه لايعرف الملك إلا بالقهر والعزة ولا يعرف كونه حكيماً إلا بالعدل، وإذا كان هذا لا يرضاه ملك فكيف يرضاه ملك الملوك، وإذا كان هذا القضاء مقتضى الحكمة كان لا فرق فيه بين ناس ناس، فهو يقتضي بينكم أيضاً كذلك، ومن التأكيد للوعد بذلك اليوم التعبير باسم الرب مضافاً إليه ( ﷺ ).
ولما كان معنى هذا أنه سبحانه وتعالى جعل بني إسرائيل على شريعة وهددهم على الخلاف فيها، فكان تهديدهم تهديداً لنا، قال مصرحاً بما اقتضاه سوق الكلام وغيره من تهديدنا منبهاً على علو شريعتنا :( ثم ) أي بعد فترة من رسلهم ومجاوزة رتب كثيرة عالية على رتبة شريعتهم ) جعلناك ) أي بعظمتنا ) على شريعة ) أي طريقة واسعة عظيمة ظاهرة مستقيمة سهلة موصلة إلى المقصود هي جديرة بأن يشرع الناس فيها ويخالطوها مبتدئة ) من الأمر ( الذي هو وحينا وهو حياة الأرواح كما أن الأرواح حياة الأشباحز ولما بين بهذه العبارة بعض فضلها على ما كان قبلها، سبب عنه قوله موجهاً الخطاب إلى الإمام بما أراد به المأمومين ليكون أدعى إلى اجتهادهم، فإن أمرهم تكليف وأمر إمامهم تكوين :( فاتبعها ) أي بغاية جهدك.
ولما كانت الشريعة العقل المحفوظ الذي أخبر الله أنه به يأخذ وبه يعطي، كان الإعراض عنها إلى غيرها إنما هو هوى، ولما كان أحاد الأمة غير معصومين أشار إلى العقو عن هفواتهم بقوله تعالى :( ولا تتبع ) أي تتعمدا أن تتبعوا ) أهواء الذين لا يعلمون ) أي لا علم لهم أو لهم علم ولكنهم يعملون عمل من ليس لهم علم أصلاً من كفار العرب وغيرهم، فإن من تعمد اتباعهم فعلت بهم ما فعلت ببني إسرائيل حيث لعنتهم على لسان داود وعيسى ابن مريم عليهما الصلاة والسلام بعد ما لعنتهم على لسان موسى عليه الصلاة والسلام، ثم علل هذا النهي مهدداً بقوله : مؤكداً تنبيهاً على أن من خالف أمر الله لأجل أحد كان عمله عمل من يظن أنه يحميه :( إنهم ( وأكد النفي فقال تعالى :( لن يغنوا عنك ) أي لا