صفحة رقم ١٠٢
المحسنين الذين نحن أولياؤهم، عطف عليه سبحانه وتعالى قوله :( أم ( قال الأصبهاني : قال الإمام : كلمة وضعت للاستفهام عن شيء حال كونه معطوفاً على آخر سواء كان المعطوف مذكوراً أو مضمراً - انتهى.
وكان الأصل : حسبوا، ولكنه عدل عنه للتنبيه على أن ارتكاب السوء معم للبصيرة مضعف للعقل كما أفاده التعبير بالحسبان كما تقدم بيانه في البقرة فقال :( حسب الذين اجترحوا ) أي فعلوا بغاية جهدهم ونزوع شهواتهم ) السيئات أن نجعلهم ( مع ما لنا من العظمة المانعة من الظلم المقتضية للحكمة ) كالذين آمنوا وعملوا ( تصديقاً لإفرارهم ظاهراً وباطناً وسراً وعلانية ) الصالحات ( بأن نتركهم بلا حساب للفصل بين المحسن والمسيء.
ولما كانت المماثلة مجملة، بينهما اشتئنافاً بقوله مقدماً ما هو عين المقصود من الجملة الأولى :( سواء ) أي مستو استواء عظيماً ) محياهم ومماتهم ) أي حياتهم وموتهم وزمان ذلك ومكانه ف يالارتفاع والسفول واللذة والكدر وغير ذلك من الأعيان والمعاني.
ولما كان هذا مما لا يرضاه أحد لمن تحت يده ولا يغيره، قال معبراً بمجمع الذم :( ساء ما يحكمون ) أي بلغ حكمهم هذا في نفسه ولا سيما وهم بإصرارهم عليه في تجديد له كل ساعة أقصى نهايات السوء، فهو مما يتعجب منه، لأنه لا يدري الحامل عليه، وذلك أنه نسبوا الحكيم الذي لا حكيم في الحقيقة غيره إلى ما لا يفعله أقل الناس فيمن تحت يده.
ولما أنكر التسوية وذمهم على الحكم بها، أتبع ذلك الدليل القطعي على أن الفريقين لا يستويان وإلا لما كان الخالق لهذا الوجود عزيزاً ولا حكيماً، فقال دالاً على إنكار التسوية وسوء حكمهم بها، عاطفاً على ما تقديره : فقد خلق الله الناس كلهم بالحق وهو الأمر الثابت الذي يطابقه الواقع، وهو ثبات أعمال المحسنين وبطلان أفعال المسيئين، عطف عليه قوله :( وخلق الله ) أي الذي له جميع أوصاف الكمال ولا يصح ولا يتصور أن يحلقه نوع نقص ) السماوات والأرض ( اللتين هما ظرف لكم وابتدئت باطلاص، فمتى وجد سبب الشيء وانتفى مانعه وجد، ومتى وجد مانع الشيء وانتفى سببه انتفى، لا يتخلف ذلك أصلاً، ولذلك جملة ما وقع من خلقهما طابقه الواقع الذي هو قدرة الله وعلمه وحكمته وجميع ما له من صفات الكمال التي دل خلقهما عليها، فإذا كان الظرف على هذا الإحكام فما الظن بالمظروف الذي ما خلق الظرف إلا من أجله، هل يمكن في الحكمة أن يكون على غير ذلك فيكون الواقع الذي هو تفضيل المحسن على المسيء غير مطابق لأحوالهم، ومن جملة المظروف ما بينهما فلذا لم يذكر هنا، ولو كان ذلك من غير بعث ومجازاة بحسب الأعمال لما كان هذا الخلق العظيم بالحق بل بالباطل الذي تعالى عنه الحكيم فكيف وهو أحكم الحاكمين.


الصفحة التالية
Icon