صفحة رقم ١٠٦
فقال عاطفاً على ( قالوا ) :( وإذا تتلى ) أي تتابع بالقراءة من أيّ تال كان ) عليهم آياتنا ) أي على ما لها من العظمة في نفسها وبالإضافة إلينا حال كونها ) بينات ) أي في غاية المكنة في الدلالة على البعث، فلا عذر لهم في ردها ) ما كان ) أي بوجه من وجوه الكون ) حجتهم ) أي قولهم الذي ساقوه مساق الحجة، وهو لا يستحق أن يسمى شبهة ) إلا أن قالوا ( قولاً ذميماً ولم ينظروا إلى مبدئهم ) ائتوا ( أيها التالون للحجج البينة من النبي - صل الله عليه وسلم - وأتباعه الذين اهتدوا بهداه ) بآبائنا ( الموتى، وحاصل هذا أنه ما كان لهم كفاهم مناداتهم على أنفسهم بالجهل حتى عرضوا لأهل البينات بالكذب فقالوا :( إن كنتم صادقين ) أي عريقين في الكون في أهل الصدق الراسخين فيه من أنه سبحانه وتعالى يبعث الخلق بعد موتهم، وذلك استبعاد منهم لأن يقدر المعلوم قطعاً أن من قدر على إنشاء شيء من العدم قدر على إعادةه بطريق الأولى.
ولما كان سبحانه وتعالى إنما يقبل الإيمان عند إمكان تصوره، وذلك إذا كان بالغيب لم يجبهم إلى إحياء آبائهم إكراماً لهذه الأمة لشرف نبيها عليه أفضل الصلاة والسلام لأن سنته الإلهية جرت بأن من لم يؤمن بعد كشف الأمر بإيجاد الآيات المقترحات أهلكه كما فعل بالأمم الماضية، فرفعهم عن الحس إلى التدريب على قدرة وعلماً وحكمة ) يحييكم ) أي يجدد هذا تجديداً لا يحصى كما أنتم به مقرون إحياء لأجساد يخترعها من غير أن يكون لها أصل في الحياة ) ثم يميتكم ( بأن يجمع أرواحكم من أجسادكم فيستلها منها لا يدع ( شيئاً ) منها في شيء من الجسد وما ذلك على الله بعزيز فإذا هو كما كان قبل الإحياء كما تشاهدون، ومن قدر على هذا الإبداء على هذا الوجه من التكرر ثم على تمييز ما بث من الروح في حال سلها من تلك الأعضاء الظاهر عادة مستمرة كان المخبر عنه بأنه يجمع الخلق بعد موتهم من العريقين في الصدق، فلذلك قال من غير تأكيد :( ثم يجمعكم ) أي بعد التمزق فيعيد فيكم أرواحكم كما كانت بعد طول مدة الرقاد، منتهين ) إلى يوم القيامة ) أي القيام الأعظم لكونه عاماً لجميع الخلائق الذين أماتهم.
ولما صح بهذا الدليل القطعي المدعى، أنتج قوله :( لا ريب ) أي شك بوجه من الوجوه ) فيه ( بل هو معلوم علماً قطعياً ضرورياً ) ولكن أكثر الناس ( بما لهم من السفول بما ركبنا فيهم من الحظوظ والشهوات التي غلبت على غريزة العقل فردوا بها