صفحة رقم ١١٠
فيه مناقضاً للحكمة ) والساعة ( التي هي مما وعد به وهي محط الحكمة فهي أعظم ما تعلق به الوعد ) لا ريب فيها ( بوجه من الوجوه لأنها محل إظهار الملك لما له من الجلال والجمال أتم إظهار ) قلتم ( راضين لأنفسكم بحضيض الجهل :( ما ندري ) أي الآن دراية علم ولو بذلنا جهدنا في محاولة الوصول إليه ) ما الساعة ) أي نعرف حقيقتها فضلاً عما تخبروننا به من أحوالها.
ولما كان أمرها مركوزاً في الفطر لا يحتاج إلى كبير نظر، بما يعلم كل أحد من تمام قدرة الله تعالى، فمتى نبه عليها نوع تنبيه سبق إلى القلب علمها، سموا ذلك ظناً عناداً واستكباراً، فقالوا مستأنفين في جواب من كأنه يقول : أفلم تفدكم تلاوة هذه الآيات البينات علماً بها :( إن ) أي ما ) نظن ) أي نعتقد ما تخبروننا به عنها ) إلا ظناً ( وأما وصوله إلى درجة العلم فلا.
ولما كان المحصور لا بد وأن يكون أخص من المحصور فيه كان الظن الأول بمعنى الإعتقاد، ولعله عبر عنه بلفظ الظن تأكيداً لمعنى الحصر، ولذلك عطفوا عليه - تصريحاً بالمراد لأن الظن قد يطلق على العلم - قولهم :( وما نحن ( وأكدوا النفي فقالوا :( بمستيقنين ) أي بموجود عندنا اليقين في أمرها ولا بطالبين له - هذا مع ما تشاهدونه من الآيات في الآفاق وفي أنفسكم وما يبث من دابة وما ينبهكم على ذلك من الآيات المسموعة، وهذا لا ينافي آية ) إن هي إلا حياتنا الدنيا ( لأن آخرها مثبت للظن، فكأنهم كانوا تارة يقوى عندهم ما في جبلاتهم وفطرهم الأولى من أمرها فيظنونها، وتارة تقوى عليهم الحظوظ مع ما يقترن بها من الشبهة المبنية على الجهل فيظنون عدمها فيقطعون به لما للنفس إليه من الميل، أو كانوا فرقتين - والله أعلم.
الجاثية :( ٣٣ - ٣٥ ) وبدا لهم سيئات.....
) وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُواْ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ لِقَآءَ يَوْمِكُمْ هَذَا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِّن نَّاصِرِينَ ذَلِكُم بِأَنَّكُمُ اتَّخَذْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ هُزُواً وَغَرَّتْكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ لاَ يُخْرَجُونَ مِنْهَا وَلاَ هُمْ يُسْتَعَتَبُونَ ( ( )
ولما وصلوا إلى حد عظيم من العناد، التفت إلى أسلوب الغيبة إعراضاً عنهم إيذاناً بشديد الغضب فقال تعالى :( وبدا ) أي ولم يزالوا يقولون ذلك إلى أن بدت لهم الساعة بما فيها من الأوجال، والزلازل والأهوال، وظهر ) لهم ( غاية الظهور ) سيئات ما ( ولما كان السياق للكفرة، وكانوا مؤاخذين بجميع أعمالهم فإنه ليس لهم أساس صالح يكون سبباً لتكفير شيء مما تقلبوا فيه ولم يقتض السياق خصوصاً مثل الزمر، عبر بالعمل الذي هو أعم من الكسب فقال :( علموا ( فتمثلت لهم وعرفوا مقدار جزائها واطلعوا على جميع ما يلزم على ذلك ) وحاق بهم ) أي أحاط على حال القهر والغلبة،