صفحة رقم ١٢١
الافتراء :( ما كنت ) أي كوناً ما ) بدعاً ) أي منشئاً مبتدعاً محدثاً مخترعاً بحيث أكون أجنبياً منقطعاً ) من الرسل ( لم يتقدم لي منهم مثال في أصل ما جئت به، وهو الحرف الذي طال النزاع بيني وبينكم فيه وعظم الخطب وهو التوحيد ومحاسن الأخلاق بل قد تقدمني رسل كثيرون أتوا بمثل ما أتيت به ودعوا إليه كما دعوت وصدقهم الله بمثل ما صدقني به، فثبتت بذلك رسالاتهم وسعد بهم من صدقهم من قومهم، وشقي بهم من كذبهم، فانظروا إلى آثارهم، واسألوا عن سيرهم من أتباعهم وأنصارهم وأشياعهم، قال الإمام أبو عبد الله القزاز في ديوانه : والبدعة الاسم لما ابتدع وضد البدعة السنة، لأن السنة ما تقدم له إمام، والبدعة ما اخترع على غير مثال، وفي الحديث ( كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار ) معنا - والله أعلم - أن يبتدع ما يخالف السنة إذ كانت البدعة ضد السنة، فإذا أحدث ما يخالفها كان بغحداثه لها ضالاً مشركاً، وكان من أحدث في النار، ولم يدخل تحت هذا ما يخترع الإنسان من أفعال البر يسمى بدعة لعدم فعله قبل ذلك فيخرج عما ذكرنا إن كان له نظير في الأصول، وهو الحض على كل أفعال البر ما علم منها وما لم يعلم، فإن أحدث محدث منذلك شيئاً فكأنه زيادة فيما تقدم من البر وليس بضد لما تقدمه من السنة، بل هو باب من أبوابها، ويقولون : ما فلان ببدعة في هذا الأمر أي ليس هو بأول من أصابه ولكن سبقه غيره أيضاً، قال الشاعر :
ولست ببدع من النائبات ونقض الخطوب وإمرارها
ويقال : أبدع بالرجل - إذا كلت راحلته، وأبدعت الركاب إذا كلت وعطبت، وقيل : كل من عطبت ركابه فانقطع به فقد أبدع به، وقال في القاموس : والبدعة الحدث في الدين بعد الإكمال أو ما استحدث بعد ( ﷺ ) من الأهواء والأعمال، وأبدع بالرجل : عطبت ركابه، وبقي منقطعاً به، وأبدع فلان بفلان : قطع به وخذله، ولم يقم بحاجته، وحجته بطلت، وقال الصغاني في مجمع البحرين : وشيء بدع - بالكسر أي مبتدع، وفلان بدع في هذا الأمر أي بديع، وقوم أبداع، عن الأخفش : والبديع المبتدع والبديع المبتدع أيضاً، وأبدعت حجة فلان - إذا بطلتب وأدبعت : أبطلت - يتعدى ولا يتعدى.
ولما أُبت بموافقته ( ﷺ ) للرسل أصل الكلام وبقي أن يقال : إن التكذيب في أن الله أرسله به، قام الدليل على صدقه في دعواه، وذلك بأنه مماثل لهم في أصل الخلقة ليس له من ذاته من العلم إلا ما لهم، وليس منهم أحد يصح له حكم على المغيبات، فلولا


الصفحة التالية
Icon