صفحة رقم ١٣١
الذي ذكرتماه لي من البعث ) إلا أساطير الأولين ) أي خرافات كتبها على وجه الكذب الأولائل وتناقلها منهم الأعمار جيلاً بعد جيل فصارت بحيث يظن الضعفاء أنها صحيحة - هذا والعجب كل العجب أنه بتصديقه لا يلزمه فساد على تقدير من التقادير الممكنة، بل يحمله التصديق على محاسن الأعمال ومعالي الأخلاق التي هو مقر بأنها محاسن من لزوم طريق الخير وترك طريق الشر، وتكذيبه يجره إلى المرح والأشر، والطبر وأفعال الشر، ودنايا الأخلاق مع احتمال الهلاك الذي يخوفانه به وهو لا ينفي أنه متحتمل وإن استبعده فما دعوه إليه كما ترى لا يأباه عاقل ولكنها عقول كادها باريها.
ولما كان هذا الكلام، ومع بلوغ النهاية في حسن الانتظام، وقد حصر الإنسان هذين القسمين مثلاً بليغاً لكفار العرب ومؤمنيهم، فالأول للمؤمنين التابعين لملة إبراهيم عليه الصلاة والسلام، الآتي بها أعظم أنيائه الكرام محمد عليه الصلاة والسلام الذي يعرفونه منه والثاني للكفار المنابذين لأعظم آبائهم إبراهيم عليه الصلاة والسلام الذي يعرفونه منه نقلاً يتوارثونه من آبائهم، وق ) آناً معجزاً كأنهم سمعوه من خالقهم أناه موحد لله مقر بالبعث محذر من غوائله، وكان قد ابتدأ سبحانه الحديث عنهم بما ذكر مما كفروا فيه المنعمين واستحقوا كلتا السوءتين، خزي الدنيا وعذاب الآخرة، أخبر عنهم بما أنتجه نقلاً يتوارثونه من آبائهم، وقرآناً معجزاً كأنهم سمعوه من خالقهم أنه موحد لله مقر بالبعث محذر من غوائله، وكان قد ابتدأ سبحانه الحديث عنهم بما ذكر مما كفروا فيه المنعمين واستحوا كلتا السوءتين، خزي الدنيا وعذاب الآخرة، أخبر عنهم بما أنتجه تكذيبهم بموعد ربهم وعقوقهم لوالديهم حقيقة أو تعليماً بقوله :( أولائك ) أي البعداء من العقل والمروءة وكل خير ) الذين حق ) أي ثبت ووجب.
ولما كان هذا وعيداً، دل عليه بأداة الاستعلاء فقال :( عليهم القول ) أي الكامل في بابه بأنهم أسفل السافلين، وهذا يكذب من قال : إنها نزلت في عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنهما، فإنه أسلم وصار من أكابر الصحابة رضي الله عنهم أجمعين، فحقت له الجنة.
ولما أثبت لهم هذه الشنيعة، عرف بكثرة من شاركهم فيها فقال :( في ) أي كائنين في ) أمم ) أي خلائق كانوا بحيث يقصدهم الناس ويتبع بعضهم بعضاً ) قد خلت ( تلك الأمم.
ولما كان المحكوم عليه بعض السالفين، أدخل الجار فقال :( من قبلهم ( فكانوا قدوتهم ) من الجن ( بدأ بهم لأن العرب تستعظمهم وتستجير بهم، وذلك لأنهم يتظاهرون لهم يؤذونهم ولم يقطع أذاهملهم وتسلطهم عليهم ظاهراً وباطناً إلا القرآن، فإنه أحرقهم بأنواره وجلاهم عن تلك البلاد بجلي آثاره ) والإنس ( وما نفعتهم كثرتهم ولا أغنت عنهم قوتهم، ثم علل حقوق الأمر عليهم أو استأنف بقوله مؤكداً تكذيباً لظن هذا القسم الذي الكلام فيه أن الصواب مع الأكثر :( إنهم ) أي كلهم ) كانوا ) أي جبلة وطبعاً وخلقاً لا يقدرون على الانفكاك عنه ) خاسرين ) أي عريقين في هذا الوصف.


الصفحة التالية
Icon