صفحة رقم ١٤٢
كتاب يناظر التوراة في الأحكام والحدود، وغيرها فكان قومهم ربما توقفوا في الإخبار بإنزال ما هو أشرف من ذلك، أكدوا قولهم ) إنا سمعنا ) أي بيننا وبين القارئ واسطة، وأشاروا إلى أنه لم ينزل بعد التوراة شيء جامع لجميع الشرائع فقالوا على سبيل التبين لما سمعوا :( كتابا ) أي ذكرا جامعا، لا كما نزل بعد التوراة على بني إسرائيل ) أنزل ) أي ممن لا منزل في الحقيقة غيره، وهو مالك الملك وملك الملوك لأن عليه من روق الكتب الإلهية ما يوجب القطع لسامعه بأنه منها فكيف إذا انضم إلى ذلك الإعجاز، وعلموا قطعا بعربيته أنه عربي وبأنهم كانوا يضربون مشارق الأرض ومغاربها ويسمعون قراءة الناس لما يحدثونه من الحكم والخطب والكهانة والرسائل والأشعار، وبأنه مباين لجميع ذلك أنه قريب العهد بالنزول من محل العظمة، فقالوا مثبتين للجاز :( من بعد موسى ( عليه الصلاة والسلام، فلم يعتدوا بما أنزل بين هذا الكتاب وبين التوراة من الإنجيل وما قبله، لأنه لا يساوي التوراة في الجمع، ولا يعشر هذا الكتاب في الأحكام والحكم واللطائف والمواعظ مع ما زاد به من الإعجاز وغيره.
ولما أخبروا بأنه منزل، أتبعوه ما يشهد له بالصحة فقالوا :( مصدقا لما بين يديه ( ْ أيس من جميع كتب بني إسرائيل الإنجيل وما قبله، ثم بينوا تصديقه بقولهم :( يهدي إلى الحق ) أي الأمر الثابت الذي يطابقه الواقع فلا يقدر أحد على إزالة شيء مما يخبر به، الكامل في جميع ذلك ) وإلى طريق ( موصل إلى المقصود الأعظم وهو الإيمان بمنزله ) مستقيم ( فهو يوصل بغاية ما يمكن من السرعة، لا يمكن أن يكون فيه عوج، فيقدر السالك فيه على أن يختصر طريقاً يكون وتراً لما تقوس منه.
ولما أخبروهم بالكتاب وينوا أنه من عند الله وأنه أقرب موصل إيه، فكان قومهم جديرين بأن يقولوا : فما الذي ينبغي أن نفعل ؟ أجابوهم بقوله :( يا قومنا ( الذين لهم قوة العلم والعمل ) أجيبوا داعي الله ) أي الملك الأعظم المحيط بصفات الجلال والجمال والكمال، فإن دعوة هذا الداعي عامة لجميع الخلق، فالإجابة واجبة على كل من بلغه أمره.
ولما كنا المجيب قد يجيب في شيء دون شيء كما كان أبو طالب عم النبي ( ﷺ )، عطفوا في خطابهم لهم في الدعوة أن قالوا :( وآمنوا به ) أي أوقعوا التصديق بسبب الداعي لا بسبب آخر، فإن المفعول معه مفعول مع من أرسله وهو الله الذي جلت قدرته وآمنوه من كل تكذيب، أو الضمير للمضاف إليه وهو الله بدليل قولهم :( يغفر لكم ( : فإنه يستر ويسامح ) من ذنوبكم ) أي الشرك وما شابهه مما هو حق لله