صفحة رقم ١٥١
فلذلك قال سبحانه استئنافاً جواباً لمن كأن قال لما أدركه من دهش العقل لما راعه من علو هذا المقال : هل يضرب مثل مثل هذا :( كذلك ) أي مثل هذا الضرب العظيم الشأن ) يضرب الله ) أي الذي له الإحاطة بجميع صفات الكمال ) للناس ) أي كل من فيه قوة الاضطراب والحركة ) أمثالهم ) أي أمثال أنفسهم وأمثال الفريقين المتقدمين أو أمثال جميع الأشيء التي يحتاجون إلى بيان أمثالها مبيناً لها مثل هذا البيان ليأخذ كل واحد من ذلك جزاء حاله، فقد علم من هذا المثل أن من اتبع الباطل أضل الله عمله ووفر سيئاته وأفسد باله، ومن اتبع الحق عمل به ضد ذلك كائناً من كان، وهو غاية الحث على طلب العلم في كتاب الله وسنة رسوله ( ﷺ ) والعمل بهما.
محمد :( ٤ - ٥ ) فإذا لقيتم الذين.....
) فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَآ أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّواْ الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَآءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ذَلِكَ وَلَوْ يَشَآءُ اللَّهُ لاَنْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِن لِّيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ ( ( )
ولما تحرر أن الكفار أحق الخلق بالعدم لأن الباطل مثلهم وحقيقة حالهم، سبب عنه قوله :( فإذا لقيتم ) أي أيها المؤمنون ) الذين كفروا ( ولو بأدنى أنواع الكفر في أيّ مكان كان وأيّ زمان اتفق.
ولما كان المراد القتل المجهر بغاية التحقق، عبر عنه مؤكداً له من الاختصار بذكر المصدر الدال على الفعل مصوراً له بأشنع صوره مع ما فيه من الغلظة على الكفار والاستهانة بهم فقال تعالى :( فضرب الرقاب ) أي عقبوا لقيكم لهم من غير مهلة بأن تضربوا رقابهم ضرباً بالصدق في الضرب بما يزهق أرواحهم، فإن ذلك انتهاز للفرصة وعمل بالأحوط، وكذلك النفس التي هي أعدى العدو إذا ظفرت بها وجب عليك أن لا تدع لها بقية، قال القشيري : فالحية إذا بقيت منها بقية فوضعت عليها إصبع ثبت فيها سمها.
ولما كان التقدير : ولا يزال ذلك فعلكم، غياه بقوله :( حتى ( وبشرهم بالتعبير بأداة التحقق فقال تعالى :( إذا أثخنتموهم ) أي أغلظتم القتل فيهم وأكثرتموه بحيث صاروا لا حراك بهم كالذي ثخن فأفرط ثخنه ؛ فجعل ذلك شرطاً للأسر كما قال تعالى ) ) وما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض ( ) [ الأنفال : ٦٧ ] ثم قال تعالى مبيناً لما بعد الثخن :( فشدوا ) أي لأنه لا مانع لكم الآن من الأسر ) الوثاق ) أي الرباط الذي يستوثق به من الأسر بالربط على أيديهم مجموعة إلى أعناقهم - مجاز عن الأسر بغاية الاستيلاء والقهر.
ولما كان الإمام مخيراً في أسراهم بين أربعة أشياء : القتل والإطلاق مجاناً والإطلاق بالفدية وهي شيء يأخذه عوضاً عن رقابهم والاسترقاق، عبر عن ذلك بقوله