صفحة رقم ١٥٤
إدخالهم إياها وكيفيتها عند ذلك بقوله تعالى :( عرفها لهم ) أي بتعريف الأعمال الموصلة إليها والتوفيق لهم إليها في الدنيا وأيضاً بالتبصير بالمنازل في الآخرة حتى أن أحدهم يصير أعرف بمنزله فيها منه بمنزله في الدنيا، وطيب رائحتها وجعل موضعها عالياً وجدرانها عالية وهي ذات أغراف وشرف، وفي هذه الآية بشرى عظيمة لمن جاهد ساعة ما بأن الله يميته على الإسلام المستلزم لئلا يضيع له عمل، ويؤيده ما رواه الطبراني في الكبير عن فضلاة بن عبيد الأنصاري رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله ( ﷺ ) يقول :( للإسلام ثلاث أبيات : سفلى وعليا وغرفة، فأما السفلى فالإسلام دخل فيه عامة المسلمين فلا تسأل أحداً منهم إلا قال : أنا مسلم، وأما العليا فتفاضل أعمالهم بعض المسلمين أفل من بعض، وأما الغرفة العليا فالجهاد في سبيل الله لا ينالها إلا أفضلهم ).
ولما ذكر القتال، تشوف السامع إلى حال المقاتل من النصر والخذلان فأجاب بما يعرف بشرط النصر فقال :( يا أيها الذين آمنوا ) أي أقروا بذلك وإن كان في أدنى الدرجات بما أشعرت به أداة البعد والصلة بالماضي ) إن تنصروا الله ) أي يتجدد لكم نية مستمرة وفعل دائم على نصرة دين الملك الأعظم بإيضاح أدلته وتبيينها وتوهية شبه أهل الباطل وقتالهم، ويكون ذكل خالصاً له لا لغيره من النيات الفاسدة المعلولة بطلب الدنيا أو الشهرة بالشجاعة والعلم وطيب الذكر الغضب للأهل وغير ذلك ) ينصركم ( فإنه الناصر لا غيره من عدد أو عدد فيقمع أعداء الدين بأيديكم.
ولما كان النصر قد يكون مع العجز والكسل والجبن والفشل بين أنه يحميهم من ذلك فقال :( ويثبت أقدامكم ) أي تثبيتاً عظيماً بأن يملأ قلوبكم سكينة واطمئناناً وأبدانكم قوة وشجاعة في حال القتل ووقت البحث والجدال، وعند مباشر جميع الأعمال، فتكونوا عالين قاهرين في غاية ما يكون من طيب النفوس وانشراح الصدور ثقة بالله واعتزازاً به وإن تملأ عليكم أهل الأرض.
ولما ذكر أهل الإيمان، بين ما لأهل الكفران، فقال سبحانه :( والذين كفروا ) أي ستروا ما دل عليه العقل وقادت إليه الفطر الأولى، وبين أن سوء أعمالهم أسباب وبالهم بالفاء.
فقال مؤكداً بجعل الخبر مفعولاً مطلقاً لأجل استبعادهم بما لهم من القوة