صفحة رقم ١٥٨
على كلمة واحدة حتى كأن قلوبهم قلب واحد فكأنها هي المخرجة - وهي مكة - كذبوك وآذوك حتى أخرجناك من عندهم لننصرك عليهم بمن أيدناك بهم من قريتك هذه التي آوتك من الأننصار نصراً جارياً على ما تألفونه وتعتادونه ) أهلكناهم ( بعذاب الاستئصال كما اقتضت عظتنا، وحكى حالهم الماضية بقوله :( فلا ناصر لهم (.
ولما كان هذا دليلاً شهودياً بعد الأدلة العقللية على ما تقدم الوعد به، سبب عنه الإنكار عليهم فقال :( أفمن كان ) أي في جميع أحواله ) على بينة ) أي حالة ظاهرة البيان في أنها حق ) من ربه ( المربي المدبر له المحسن إليه بما يقيم من الأدلة التي تعجز الخلائق أجمع عن أن يأتوا بواحد منها فبصر سوء عمله وأريه على حقيقته فرآه سيئاً فاجتنبه مخالفاً لهواه، قال القشيري : العلماء في ضياء برهانهم والعارفون في ضياء بيانهم.
) كمن زين له ( بتزيين الشيطان بتسليطنا له عليه وخلقنا للآثار بأيسر أمر ) سوء عمله ( من شرك أو معصية دونه.
ولما كان التقدير : فرآه حسناً فعمله ملازماً له، فكان على عمى وضلال، وكان قد أفرد الضمير لقبول ( من ) له من جهة لفظها، جمع رداً على معناها بتعميم القبح مثنى وفرادى، وإشارة إلى أن القبيح يكون أولاً قليلاً جداً، فمتى غفل عنه فلم تحسم مادته دب وانتشر فقال عاطفاً على ما قدرته :( واتبعوا أهواءهم ( فلا شبهة لهم في شيء من أعمالهم السيئة فضلاً عن دليل، والآية من الاحتباك ذكر البينة أولاً دليلاً على ضدها ثانياً، والتزيين واتباع الهوى ثانياً دليلاً على ضدهما أولاً، وسره أنه ذكر الأصل الجامع للخير ترغيباً والأًل الجامع للشر ترهيباً.
محمد :( ١٥ ) مثل الجنة التي.....
) مَّثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَآ أَنْهَارٌ مِّن مَّآءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِّن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُواْ مَآءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعَآءَهُمْ ( ( )
ولما تكرر ذكر الجنة والنار في هذه السورة إلى أن ختم بهذه الآية التي قسم الناس فيها إلى أولياء مهتدين وأعداء ضالين معتدين، فهدى سياقها إلى أن التقدير : أفمن كان على بينة من ربه أحياه الحياة الطيبة في الدارين، ومن تبع هواه أراده فيها، أتبعه وصف الجنة التي هي دار أوليائه قادهم إليها الهدى، والنار التي هي دار أعدائه ساقهم إليها الضلال المحتم للردى، فقال :( مثل الجنة ) أي البساتين العظيمة التي تستر داخلها من كثرة أشجارها.
ولما تكرر وعده سبحانه للذين آمنوا بالجنة بالاسم الأعظم الجامع وبعضها