صفحة رقم ١٦٣
ولما دل هذا من المصغي ومن المعرض على غاية الجمود الدال على غاية الشقاء، أنتج قوله :( أولئك ) أي خاصة هؤلاء البعداء من الفهم ومن كل خير ) الذين طبع الله ) أي الملك الأعظم الذي لا تناهي لعظمه جل وعلا ) على قلوبهم ) أي فلم يؤمنوا ولم يفهموا فهم الانتفاع لأن مثل هذا الجمود لا يكون إلا بذلك.
ولما كان التقدير : إنهم ضلوا حتى صاروا كالبهائم، عطف عليه ما هو من أفعال البهائم فقال :( واتبعوا ) أي بغاية جهدهم ) أهواءهم ) أي مجانبين لوازع العقل وناهي المروءة، فلذلك هم يتهاونون بأعظم الكلام ويقبلون على جمع الحطام، فهم أهل النار المشار إليهم قبل آية ( مثل الجنة ) بأنهم زين لهم سوء أعمالهم.
ولما ذكر ما هم عليه وشنع عليهم أقبح الذكر، ذكر الذين آتاهم العلم فقال :( والذين اهتدوا ) أي اجتهدوا باستماعهم منك في مطاوعة داعي الفطرة الأولى إلى الوقوع على الهدى بالصدق في الإيمان والتسليموالإذعان بأنواع المجاهدات ) زادهم ) أي الله الذي طبع على قلوب الجهلة ) هدى ( بأن شرح صدورهم ونورها بأنوار المشاهدات فصارت أوعية للحكمة ( إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات يهديهم ربهم بإيمانهم ) ) وآتاهم تقواهم ) أي بين لهم ما هو أهل لأن يحذر ووفقهم لاجتنابه مخالفة للهوى، فهم القسم الأول من آية توطئة المثل ) الذين هم على بينة من ربهم ( ومعنى الإضافة أنه آتى كلاًّ منهم منها بحسب ما يقتضيه حاله، قال ابن برجان : التقوى عمل الإيمان كما ان أعمال الجوارح عمل الإسلام - انتهى.
محمد :( ١٨ - ١٩ ) فهل ينظرون إلا.....
) فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ السَّاعَةَ أَن تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَآءَ أَشْرَاطُهَا فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَآءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ ( ( )
ولما كان أشد ما يتقى القيامة التي هم بها مكذبون، سبب عن اتباعهم الهوى قوله تعالى :( فهل ينظرون ) أي ينتظرون، ولكنه جرده إشارة إلى شدة قربها ) إلا الساعة ( ولما كان كأنه قيل : ما ينتظرون من أمرها ؟ أبدل منها قوله :( أن تأتيهم ) أي تقوم عليهم، وعبر بالإتيان زيادة في التخويف ) بغتة ) أي فجاءة من غير شعور بها ولا استعداد لها.


الصفحة التالية
Icon