صفحة رقم ١٧٣
مقطوعة عن جميع أسبابهم وأنسابهم فلم ينفعهم تقاعدهم عن الجهاد في تأخير آجالهم، وصور حالهم وقت توفيهم فقال :( يضربون ) أي يتابعون في حال التوفية ضربهم ) وجوههم ( التي هي أشرف جوارحهم التي جنبوا عن الحرب صيانة لها عن ضرب الكفار.
ولما كان حالهم في جبنه مقتضياً لضرب الأقفاء، صوره بأشنع صوره فقال :( وإدبارهم ( التي ضربها أدل ما يكون على هوان المضروب وسفالته ثم تتصل بعد ذلك آلآمهم وعذابه وهوانهم إلى ما لا آخر له.
ولما كان كفران النعيم يوجب مع إحلال النعم إبطال ما تقدم من الخدم قال :( ذلك ) أي الأمر العظيم الإهانة من فعل رسلنا بهم ) بأنهم اتبعوا ) أي عالجوا فطرهم الأولى في أن تبعوا عناداً منهم ) ما أسخط الله ) أي الملك الأعظم وهو العمل بمعاصيه من موالاة أعدائه ومناواة أوليائه وغير ذلك.
ولما كان فعل ما يسخط قد يكون مع الغفلة عن أنه يسخط، بين أنهم ليسوا كذلك فقال تعالى :( وكرهوا ) أي بالإشراك ) رضوانه ( بكراهتهم أعظم أسباب رضاه وهو الإيمان، فهم لما دونه بالقعود عن سائر الطاعات أكره، لأن ذلك ظاهر غاية الظهور في أنه مسخط ففاعله مع ذلك غير معذور في ترك النظر فيه ) فأحبط ) أي فلذلك تسبب عنه أنه أفسد ) أعمالهم ( الصالحة فأسقطها بحيث لم يبق لها وزن أصلاً لتضييع الأساس من مكارم الأخلاق من قرى الضيف والأخذ بيد الضعيف والصدقة والإعتاق وغير ذلك من وجوه الإرفاق.
ولما صور سبحانه ما أثرته خيانتهم بأقبح صوره، فبان به أنه ما حملهم على ما فعلوه إلا جهلهم وسفاهتهم، فأنتج إهانتهم بالتبكيت فقال عاطفاً على ما تقديره : أعلموا حين قالوا ما يسخطنا أنا نعلم سرهم ونجواهم، وإن قدرتنا محيطة بهم ليكونوا قد وطنوا أنفسهم على أنا نظهر للناس ما يكتمونه نأخذهم أخذاً وبيلاً فيكونوا أجهل الجهلة :( أم ( حسبوا لضعف عقولهم - بما أفهمه التعبير بالحسبان - هكذا كان الأصل، ولكنه عبر بما دل على الآفة التي أدتهم إلى ذلك فقال تعالى :( حسب الذين في قلوبهم ( التي إذا فسدت فسد جميع أجسادهم ) مرض ) أي آفة لا طب لها حسباناً هو في غاية الثبات بما دل عليه التأكيد في قوله سبحانه وتعالى :( أن لن يخرج الله ) أي يبرز من هو محيط بصفات الكمال للرسول ( ﷺ ) والمؤمنين رضوان الله عليهم على سبيل التجديد والاستمرار ) أضغانهم ) أي ميلهم وما يبطنونه في دواخل أكشحهم من اعوجاجهم الدال على أحقادهم، وهي أنهم كاتمون عداوة في قلوبهم مصرون عليهم يترقبون الدوائر لانتهاز فرصتها، ليس الأمر كما توهموا بل الله يفضحهم ويكشف تلبيسهم.


الصفحة التالية
Icon