صفحة رقم ١٨٤
ولا ينكل عنه، فكان ذلك محتماً لسفول الكفر وعلو الإيمان، وذلك بعينه هو الفتح المبين، فافتتح هذه بقوله على طريق النتيجة لذلك بقوله مؤكداً إعلاماً بأنه لا بد منه وأنه مما ينبغي أن يؤكد لابتهاد النفوس الفاضلة به، وتكذيب من في قلبه مرض وهم أغلب الناس في ذلك الوقت.
) إنا ( إي بما لنا من العظمة التي لا تثبت لها الجبال ) فتحنا ) أي أوقعنا الفتح المناسب لعظمتنا لكل متعلق بإتقان الأٍباب المنتجة له من غير شك، ولذلك عبر عنه بالماضي.
ولما كانت منفعة ذلك له ( ﷺ ) كلمة الله يكون به فيعليه ويمتلىء الأرض من أمنه، فلا يعمل منهم أحد حسنة إلا كان له مثل أجرها ويكونون على قصر زمنهم ثلثي أهل الجنة، فيكون ذلك شرفاً له - إلى غير ذلك الأسرار، التي يعيى دون أيسرها الكفار، قال :( لك ) أي بصلح الحديبية في ذي القعدة سنة ست من الهجرة التي نزلت هذه السورة في شأنه، يصحبان في الرجوع منه إلى المدينة المشرفة، قال الأزهري : لم يكن فتح أعظم من صلح الحديبية، وذلك أن المشركين اختلطا بالمسلمين فسمعوا كلامهم فرأوا ما لا أعدل منه كثير، وكذا كان من الفتح تقوية أمره ( ﷺ ) بالتصديق فيما أنزل عليه من سورة من غلبهم على أهل فارس في رواية من قال : إنه كان في زمن الحديبية، ثم زاده تأكيداً بقوله :( فتحاً ( وزاد في إعظامه بقوله :( مبيناً ) أي لا لبس فيه على أحد، بل يعلم كل ذي عقل به أنك ظاهر على جميع أهل الأرض لأنك كنت وحدك، وكان عند أهل الكفر أنك في أيديهم، وأن أمرك لا يعدو فمك، فتبعك ناسٍ ضعفاء فعذبوهم وكانوا معهم في أسوأ الأحوال، وتقرر ذلك في إذهانهم مدداً طوالاً ثلاث عشرة سنة، ثم انقذ الله أتباعك منهم بالهجرة إلى النجاشي رحمه الله تعالى أولاً، وإلى المدينة الشريفة ثانياً، وهم مطمئنون بأنك أنت - وأنت رأسهم - لا ينتظم لهم بدونك أمر، ولا يحصل لكسرهم ما لم يتكن معهم جبر، بأنك في قبضتهم لا خلاص لك أبداً منهم ولا انفكاك من بلدتهم، فاستخرجك الله من عندهم بعد أن حماك على خلاف القياس وأنت بينهم من أن يقتلوك، مع اجتهادهم في ذلك واستفراغهم قواهم في أذاك، ثم بذلوا جهدهم في منعك من الهجرة فما قدروا، ثم في ردك فما أطاقوا ولا فازوا ولا ظفروا.
بل غلبوا وقهروا، ثم أيدك بأنصار أبرار أخيار فكنتم على قلتكم كالليوث الكواسر والبحار الزواخر، ما ملتم على جهة إلا غمرتموها، وفزتم بالنصف من أربابها قتلتموها أو أسرتموها ولم تزالوا تزدادون وتقوون، وهم ينقصون ويضعفون، حتى أتيتموهم في بلادهم التي هم قاطعون بأنهم ملوكها، يتعذر على غيرهم غلبهم عليها بل