صفحة رقم ١٩٤
عمادها الثبات والصبر، وسميت ( مبايعة ) لأنهم بايعوا أنفسهم فيها من الله بالجنة وهذا معنى الإسلام، فكل من أسلم فقد باع نفسه سبحانه منه
٧٧ ( ) إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم ( ) ٧
[ التوبة : ١١١ ]، الآية.
) إنما يبايعون الله ) أي الملك الأعظم لأن عملك كله من قول وفعل له
٧٧ ( ) وما ينطق عن الهوى ( ) ٧
[ النجم : ٣ ].
ولما عظم بيعته بما رغب فيها ترغيباً مشعراً بالترهيبن زادها تعظيماً بما الترهيب فيه أظهر من الأول، فقال مبيناً للأول :( يد الله ) أي المتردين بالكبرياء.
ولما كان منزهاً.
عما قد يتوهم من الجارحة مما فيه شائبة نقص، أومأ إلى نفي ذلك بالفوقية مع ما فيه من الدلالة على تعظيم البيعة فقال :( فوق أيديهم ) أي في المبايعة عالية عليهم بالقدرة والقوة والقهر والعزة، والتنزه عن كل شائبة نقص، ولذلك كرر الاسم الأعظم في هذه ثلاث مرات إشارة إلى العظمة الفائتة للوصف والغيب العالي عن الإدراك، ثم أعاد ذكره بالضمير إيذاناً بالغيب المحض، هذا هو المراد من تعظيم البيعة وإجلال الرسول ( ﷺ ) مع العلم القطعي بتنزيه الله سبحانه عن كل شائبة نقص من حلول أو اتحاد كما هو واضح في مجاري عادات العرب ظاهر جداً في دأبهم في محاوراتهم، لا يشك فيه منهم عاقل عالم أو جاهل أصلاً، فلعنة الله على من حمله على الظاهر من أهل العناد ببدعة الاتحاد على من تبعهم على ذلك من الرعاع الطغام الذي شاقوا الله ورسوله عليه الصلاة والسلام، وجميع الأئمة الأعلام، وسائر أهل الإسلام : ورضوا لأنفسهم بأن يكونوا أتباع فرعون اللعين، ونهايك به في ضلال مبين.
ولما كان كلام الله تعالى - وإن جرى مجرى الشرط والتهديد لا بد أن يقع منه شيء وإن قل، وكان من سر التعبير بالمضارع ( يبايعونك ) الإشارة إلى نكث الجد بن قيس أصل بيعته على الإسلام فإنه اختبأ في الحديبية وقت البيعة في وقت من الأوقات، فلم يبايع، سبب عن ذلك وفصل ترغيباً وترهيباً، فقال معبراً بالماضي إيذاناً بأنه لا ينكث أحد من أهل هذه البيعة :( فمن نكث ) أي نقض في وقت م نالأوقات فجعلها كالكساء الخلق والحبل البالي الذي ينقض ) فإنما ينكث ( وعبر بالمضارع إشارة إلى أن من فعل النكث فهو في كل لحظة ناكث نكثاً جديداً ) على نفسه ( لا على غيرها فإنه بمرأى من الله ومسمع وهو قادر عليه جدير بأن يعاقبه بعد ما عجل لنفسه من العار العظيم في الدنيا ويستحل به على نكثه عذاباً أليماً، ولا يضر ذلك رسول الله ( ﷺ ) شيئاً فإن الله ناصره لا محالة، وكذا كل منكوث به غذا أراد الله نصرته فإن يده سبحانه فوق كل يد.
ولما أتم الترهيب لأنه مقامه للحث على الوفاء الذي به قيام الدين على أبلغ وجه،


الصفحة التالية
Icon