صفحة رقم ١٩٦
ولما ذكر سبحانه وتعالى أهل بيعة الرضوان، وأضافهم إلى حضرة الرحمن، تشوف السامعإلى الخبر عمن غاب عن ذلك الجناب، وأبضأ عن حضرة تلك العمرة، فاستؤنف الإخبار عما ينافقون به بقوله تعالى :( سيقول ) أي بوعد لا خلف فيه، وأكد أمر نفاقهم تنبيهاً على جلدهم فيه ووقاصهم به ولطف النبي ( ﷺ ) وشدة رحمته ورفقه وشفقته فقال :( لك ) أي لأنهم يعلمون أنك ألطف الخلق عشرة وأعظمهم شفقة على عباد لله، فهم يطمعون في قبولك من فساد عذرهم ما لا يطمعون فيه من غيرك من خلص المؤمنين، وغاب عنهم - لما عندهم من غلظ الأكباد أن الكذب بحضرتك في غاية القباحة لأنك أعظم الخلق وأفطنهم، مع يأتيك من الأنباء عن علام الغيوب، وحقر أمرهم بسلب العقل عنهم وجعلهم مفعولين الفاعلين إشارة إلى أنهم طردوا عن هذا المقام، لأنهم أشار لئام، فقال تعالى ) المخلفون ) أي الذين - خلفهم الله عنك ولم يرضهم لصحبتك في هذه العمرة، فجعلهم كالشيء التافه الذي يخلفه الإنسان، لأنه لا فائدة فيه فلا يؤبه له ولا يعبأ به، وذلك إنه ( ﷺ ) لما أراد الاعتمار ندب أصحابه رضوان الله عليهم أجمعين لذلك، وندب من الأعراب الذين حول المدينة الشريفة من كان قد أقر بالإسلام، فمل يرد الله حضورهم لأن إسلامهم لم يكن خالصاً فلو حضروا لفسد بهم الحال، وإن حفظ الله بحوله وقوته من الفساد، أعقب ذلك فساداً آخر وهو أن يقال : إنه لم يكف عنهم الأعداء إلا الكثرة، فتخلفوا لماعلم الله في تخلفهم من الحكم.
ولما كان قد تخلف بالجسد من خلص الأنصار وغيرهم من كان حاضراً معه ( ﷺ ) بالقلب أخرجهم بقوله :( من الأعراب ) أي أهل البادية كذباً وبهتاناً جرأة على الله ورسوله ) شغلتنا ) أي عن إجابتك في هذه العمرة ) أموالنا وأهلونا ) أي لأنا لو تركناها ضاعت، لأنه لم يكن لنا من يقوم بها وأنت قد نهيت عن إضاعة المال والتفريط في العيال، ثم سببوا عن هذا القول المراد به السوء قولهم :( فاستغفر ) أي اطلب المغفرة ) لنا ( من الله إن كنا أخطأنا أو قصرنا.
ولما كان هذا ربما يغتر به من لا خبرة له، رده تعالى بقوله منبهاً على أن من صدق مع الله لم يشغله عن شاغل، ومن شغله عنه شيء كان شوماً عليه :( يقولون ( وعبر بالمضارع إشارة إلى أن هذا ديدن لهم لا ينفكون عنه.
ولما صح بعد ذلك إيمان، لم يعبر بالأفواه دأبه، في المنافقين، بل قال :( بألسنتهم ) أي في الشغل والاسغفار، وأكد ما أفهمه ذكر اللسان من أنه قول ظاهري نفياً للكلام الحقيقي الذي هو النفسي بكل اعتبار بقوله :( ما ليس في قلوبهم ( لأنهم لم يكن شغل ولا كانت لهم نية في سؤال الاستغفار.


الصفحة التالية
Icon