صفحة رقم ١٩٩
ولما لم يكن في هؤلاء من عذب بما عذب الأمم الماضية من الريح وغيرها، لم ذكر ما بين الخافقين، وذكر نتيجة لتفرد بالملك بما يقتضيه الحال من الترغيب والترهيب :( يغفر لمن يشاء ) أي لا اعتراض لأحد عليه بوجه ما ) ويعذب من يشاء ) أي لأنه لا يجب عليه شيء ولا يكافيه شيء، وليس هو كالملوك الذين لايتمكنون من مثل ذلك لكثرة الأكفاء المعارضين لهم في الجملة، وعلم من هذا التقسيم المبهم أيضاً أن منهم منيرتد فيعذبه، ومنهم من يثبت على الإسلام فيغفر له لأنه لا يعذب بغير ذنب وإن كان له أن يفعل ذلك، لأنه لا يسأل عما يفعل وملكه تام، فتصرفه فيه عدل كيفما كان.
ولما كان من يفعل الشيء في وقت قد لا يستمر على وصف القدرة عليه قال تعالى :( وكان الله ) أي المحيط بصفات الكمال أزلاً وأبداً، لم يتجدد له شيء لم يكن.
ولما ابتدأ الآية بالمغفرة ترغيباً في التوبة، ختم بذلك لأن المقام له، وزاد الرحمة تشريفاً لنبي المرحمة بالترغيب والدلالة على أن رحمته غلبت غضبه فقال :( غفوراً ) أي لذنوب المسيئين ) رحيماً ) أي مكرماً بعد الستر بما منه - أي من الذم - أنهم هالكون بعد أن قدم أنه لعنهم، وكان قد وعد سبحانه أهل الحديبية فتح خيبر جبراً لهم بما منعهم من الاستيلاء على مكة المشرفة لما له في ذلك من الحكم البالغة الدقيقة، وختم بأنه نافذ الأمر، وكان ذلك مستلزماً لإحاطة العلم، دل على كلا الأمرين بقوله استئنافاً، جواباً لمن كاأنه قال : هل يغفر للمخلفين حتى يكونوا كأنهم ما تخلفوا ؟ :( سيقول ) أي بوعد لا خلف فيه.
ولما كان النبي ( ﷺ ) بحيث لا مطمع لأحد فى أن يظفر منه بشيء من خلاف الأمر الله، أسقط ما عبر به في ذكرهم أولاً من خطابه وقال :( المخلفون ) أي لمن يطمعون فيه من الصحابة أن يسعى في تمكينهم من المسير في جيشه ( ﷺ ) لخفاء الحكم عليه ونحو ذلك، ولم يقيدهم بالأعراب ليعم كل من كان يتخلف من غيرهم ) إذا انطلقتم ( بتمكين الله لكم ) إلى مغانم (.
ولما أفهم اللفظ الأخذ، والتعبير بصيغة منتهى الجموع كثرتها، صرح بالأول رفعاً للمجاز فقال :( لتأخذوها ) أي من خيبر ) ذرونا ) أي على أي حالة شئتم من الأحوال الدنية ) نتبعكم ( ولما كان يلزم من تمكينهم من ذلك إخلاف وعد الله بأنها تخص أهل الحديبية، وأنه طرد المنافقين وخيب قصدهم، علل تعالى قولهم بقوله :( يريدون ) أي بذهابكم معكم ) أن يبدلوا كلام الله ) أي المحيط بكل شيء قدرة وعلماً في الإخبار بلعنهم وإبارتهم، وأن فتح خيبر مختص بأهل الحديبية، لا يشركهم فيه إلا من وافقهم


الصفحة التالية
Icon